الأولى: قولهم: قوله {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (١) يعم قتل كل مشرك فقوله "صم. وصل" ينيغى أن يعم كل زمان لأن إضافته إلى جميع الأزمان واحد كإضافة لفظ المشترك إلى جميع الأشخاص.
وأجاب عن ذلك: بأننا إن سلمنا صفة العموم فليس هذا نظيرًا له بل نظيره أن يقال: صم الأيام وصل الأوقات. أما مجرد قوله صم فلا يتعرض للزمان لا بعموم ولا بخصوص لكن الزمان من ضرورته كالمكان ولا يجب عموم الأماكن بالفعل وإن كان نسبة الفعل إلى كل مكان على وتيرة واحدة وكذلك الزمان.
الثانية: قولهم: إن قوله "صم" كقوله "لا تصم" وموجب النهى ترك الصوم أبدًا فليكن موجب الأمر فعل الصوم أبدًا.
ورد ذلك بأن قياسهم الأمر على النهى باطل من خمسة أوجه:
[القياس]
١ - أن القياس باطل في اللغات لأنها تثبت توقيفًا.
٢ - أنا لا نسلم في النهى لزوم الانتهاء مطلقًا بمجرد اللفظ.
٣ - أنا نقرن بأن الأمر يدل على أن المأمور ينبغى أن يوجد مطلقًا والنهى يدل على أن ينبغى أن لا يوجد مطلقًا والنفى المطلق يعم والوجود المطلق لا يعم فكل ما وجد مرة فقد وجد مطلقًا وما انتفى مرة فما انتفى مطلقًا.
٤ - أنه لو حمل الأمر على التكرار لتعطلت الأشغال كلها وحمل النهى على التكرار لا يفضى إليه إذ يمكن الانتهاء في حالة واحدة عن أشياء كثيرة مع الاشتغال بشغل ليس ضد المنهى عنه.
٥ - أن النهى يقتضى قبح المنهى عنه ويجب الكف عن القبيح كله والأمر يقتضى الحسن ولا يجب الإتيان بالحسن كله وهذا أيضًا فاسد فإن الأمر والنهى لا يدلان على الحسن والقيح فإن الآمر بالقبيح تسميه العرب آمرًا فتقول أمر بالقبيح وما كان ينبغى أن يأمر به. وأما الأمر الشرعى فقد ثبت أنه لا يدل على الحسن ولا النهى عن القبيح فإنه لا معنى للحسن والقبح بالإضافة إلى ذوات الأشياء بل الحسن ما أمر به والقبيح ما نهى عنه فيكون الحسن والقبح تابعًا للأمر والنهى لا علة ولا متبوعًا.
الثالثة: أن أوامر الشرع في الصوم والصلاة والزكاة حملت على التكرار فتدل على أنه موضوع له وأجاب: بأنه قد حمل الحج على الوحدة فليدل على أنه موضوع له.
[٢ - الآمدى]
اختلف الأصوليون في الأمر العرى عن القرائن فذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينى وجماعة من الفقهاء والمتكلمين إلى أنه مقتض للتكرار المستوعب لزمان العمر مع الإمكان، وذهب آخرون إلى أنه للمرة الواحدة ومحتمل للتكرار ومنهم من نفى احتمال التكرار وهو اختيار أبى الحسين البصرى وكثير من الأصوليين، ومنهم من توقف في الزيادة عن المرة ولم يقض فيها بنفى ولا إثبات وإليه ميل إمام الحرمين والواقفية.
(١) آية ٥ سورة التوبة.