للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد. ويندر أن يطلع مخلوق على هذه الجريمة بالصورة التى وقعت بها والحالة التى تمت عليها.

والجرائم التى على هذا الوضع اذا لم يكن التحرى عن حقيقة وقوعها كاملا ترامى الناس بالقول بها من غير تردد ولا تحفظ‍ ورمى بها البر والآثم. فكان لابد من التشدد فى ثبوتها وحين تظهر وتعلن مع هذا التشدد وهذا الاحتياط‍ يكون الجو عرضة للتلوث وصالحا لانتشار الفساد.

ومن ثم كان العقاب صارما والردع شديدا.

ولأن غاية الشارع الحكيم من التشريع هو حماية الجماعة من أن يظهر فيها الشر والفساد، وأن تسود الفضيلة جو هذه الجماعة ولا تشيع فى أفقها العام الا ما يثبت دعائم هذه الفضيلة ويمكن لها حتى تعيش الجماعة فى طهر ونقاء تظلها الفضيلة ويسودها الطهر والعفاف فيجب أن تبقى أمثال هذه الجرائم الفاضحة الشنيعة منزوية وبعيدة عن اسماع الناس وأبصارهم، فاذا هى ظهرت وخرجت تمشى بين الناس كان بعثا للفساد ونشرا للفتنة. ووجب أخذ المجرم فيها باقصى العقاب، حتى لا يتتابع ظهورها ولا تنتشر رائحتها الكريهة. والنبى صلّى الله عليه وسلم يقول «من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فاستتر فهو فى ستر من الله ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد.

فالاظهار وبداء الصفحة هو السبب فى اقامة الحد.

وظهور المجرم بحيث يراه على جريمته أربعة من الناس ابداء للصفحة وكشف ليس وراءه كشف للستر، ولأن العقوبة فى أكثر الاحوال لا تنطبق شروط‍ اثباتها الا على المصر عليها والمتشبث بها والذى تكررت منه حتى أمكن أن تقع منه علنا بحيث يعاين مثل هذه الواقعة أربعة من الشهود يرونها رأى العين.

[ما يعتبر فى الشهادة على الزنا]

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع الصنائع للكاسانى الحنفى (١):

أن شرائط‍ البينة القائمة على الحد منها ما يعم الحدود كلها، ومنها ما يخص البعض دون البعض.

أما الذى يعم كل الحدود. فالذكورة والاصالة فلا تقبل شهادة النساء، ولا الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضى الى القاضى فى الحدود كلها، لتمكن زيادة الشبهة فيها، والحدود لا تثبت مع الشبهات.

وأما الذى يخص البعض دون البعض، فمنها عدم التقادم، وأنه شرط‍ فى حد


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج ٧ ص ٤٦ وما بعدها طبع مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٢٨ هـ‍.