للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مذهب المالكية: "إمساك المبيع"

يجوز للبائع إمساك المبيع وحبسه عن المشترى لأجل قبض الثمن. وذلك إذا كان الثمن حالا. كما يجوز له حبس المبيع عن المشترى لأجل أن يشهد على تسليم المبيع للمشترى، أو على أن الثمن حالّ في ذمته ولم يقبضه منه أو مؤجل.

وإذا حبس البائع المبيع لكل ذلك فإنه يضمنه إذا هلك خلال ذلك ضمان الرهن أي فيفرق بين ما يغاب عليه وهو ما يمكن إخفاءه. وما لا يغاب عليه. فما لا يغاب عليه لا ضمان عليه فيه إذا ادعى تلفه أو هلاكه إلا أن يظهر كذبه. وما يغاب عليه هو في ضمانه إلا أن يقيم بينة أنه تلف بغير سببه فإنه لا ضمان عليه حينئذ.

وأما إذا كان الثمن مؤجلًا فليس للبائع حينئذ حبس المبيع عن المشترى كما قال ابن بشير وبناء عليه لو حبسه عن المشترى بغير رضاه لكان متعديا فيضمن مطلقا.

وإذا كان الثمن مؤجلا وحلّ والمبيع في يد البائع لم يقبضه المشترى فقيل: ليس له حبسه كذلك، لأنه رضى ابتداء بتسليمه دون قبض الثمن، وقيل: له حبسه، ويعتبر الثمن كالحال حينئذ.

وإذا تنازع البائع والمشترى في التسليم أوَّلًا بأن قال البائع للمشترى: لا أدفع المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشترى للبائع: لا أدفع لك الثمن حتى أقبض المبيع فإن المشترى يجبر على تسليم الثمن أوَّلًا. قال ابن رشد: "من حق البائع ألا يدفع ما باع حتى يقبض ثمنه، لأن ذلك في يده كالرهن بالثمن فمن حقه ألا يدفع إليه ما باع منه ولا يزنه ولا يكيله له إن كان مكيلا أو موزونا حتى يقبض ثمنه".

وهذا إذا بيع عرض أو مثليّ بنقد. أما إن كان بيع دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير مراطلة أو مبادلة أو دراهم بدنانير على وجه الصرف أو بيع عرض بعرض أو مثلى بمثليّ أو عرض بمثليّ لم يجبر واحد على التبدئة، بل يوكل القاضي. إن كان بحضرته. في المراطلة شخصا يمسك الميزان ثم يأخذ كل منهما مال الآخر. وفى الصرف يوكل من يقبض لهما ويفسد العقد بالتراخى في النقود، وفى بيع العرض بمثله يوكل أيضا أو يتركا حتى يصطلحا، لأن العقد لا يفسد بالتراضى إن كانا عرضين أو مثليين.

وإذا استحق من المبيع جزء شائع يثبت للمشترى الخيار بين إمساك الباقى والرجوع بحقه المستحق وبين الرد والرجوع بجميع الثمن. وسواء قل الجزء المستحق أو كثر. ولا يحرم عليه إمساك الأقل. أما إذا استحق من المبيع جزء معين فينظر في الباقى بعد الاستحقاق فإن كان النصف فأكثر لزم إمساكة بحصته من الثمن إن تعدد المبيع وإن كان أقل من النصف وجب رده عندئذ وحرم إمساك الأقل الباقى، لاختلال البيع باستحقاق أكثره فإمساك المشترى باقيه عندئذ يكون كانشاء عقد بثمن مجهول، إذا لا يعلم ما يخص الباقى إلا بعد تقويم الجميع ثم النظر فيما يخص كل جزء على انفراده. وهذا إذا كان المبيع غير مثلى. أما إذا كان مثليا فلا يحرم على المشترى إمساك الأقل لكن التخيير يكون بين الفسخ وإمساك الباقى بحصته من الثمن، لأن منابه من الثمن معلوم (١).


(١) شرح الخرشى على مختصر خليل بحاشية العدوى جـ ٥ ص ١٨٢، ١٨٥ الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ١٢٩٩ هـ.
وانظر أيضا الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل بحاشية الدسوقى جـ ٢ ص ١٤٤ - ١٤٧ الطبعة الأولى بمطبعة السعادة ١٣٢٨ هـ.