للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصيغة قد تكون للتهديد والتعجيز ونحو ذلك. (١)

ثالثًا: المتأخرون

وهم الذين جمعوا بين طريقتى علماء الكلام والفقهاء.

يقول عبيد الله بن مسعود عن بيان مذهب ابن سريج الذي يقول بالتوقف في موجب الصيغة حتى يتبين المراد: (٢)

إن الأمر يستعمل في ستة عشر معنى وأوردها على طريقة المنهاج للبيضاوى ولكنه اعتبر التأديب منفصلًا عن الندب ولم يذكر الدلالة على الخبر.

ويعلق التفتازانى على ذلك (٣) فيقول:

إنهم اختلفوا المدلول الحقيقى لصيغة "افعل" فذهب ابن سريج من أصحاب الشافعي إلى أن موجب الأمر أي الأثر الثابت به التوقف لأنه يستعمل في معان كثيرة بعضها حقيقة اتفاقًا وبعضها مجاز اتفاقًا فعند الإطلاق يكون محتملًا لمعان كثيرة والاحتمال يوجب التوقف إلى أن يتبين المراد.

فالتوقف عنده في تعيين المراد عند الاستعمال لا في تعيين الموضوع له لأنه عنده موضوع بالاشتراك اللفظى للوجوب والندب والإباحة والتهديد.

وذهب الغزالى وجماعة من المحققين إلى التوقف في تعيين الموضوع له أنه الوجوب فقط أو الندب فقط أو مشترك بينهما لفظًا.

وأما ابن السبكى فإنه يختلف عن غيره في هذا الموضوع (٤) فقد زاد في صيغة الأمر الإذن كقولك لمن يطرق الباب "ادخل" والتكذيب نحو قوله سبحانه {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٥).

والمشورة كقوله سبحانه حكاية عن قول إبراهيم الخليل عليه السلام {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}. والاعتبار مثل قوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} (٦) وإرادة الامتثال كقولك لآخر عند العطش "اسقنى ماء"، والتفويض نحو قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (٧) والإنعام كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (٨).

وأوضح العطار في حاشيته على جمع الجوامع معنى إرادة الامتثال في قول العطشان "اسقنى" فقال: إن ذلك العطشان لا غرض له من الطلب إلا إرادة الامتثال وقال: إن ذلك مقيد بما إذا لم يكن الطالب ممن تجب طاعته كالسيد وإلا كانت للوجوب أو الندب بمعنى الطلب الجازم أو غيره لا الوجوب الشرعى.

وعلق على كون الصيغة في مثل قولك للطارق "ادخل" بمعنى الإذن بأن هذا إذا كانت الصيغة من غير الشارع.

وهناك بعض تصويرات وإيضاحات لبعض الفروق فيما يشتبه أحيانا كالتكوين وكمال القدرة والامتنان والإباحة وتصور الإنعام بأنه التذكير بالنعمة وغير ذلك مما لا مجال للإطالة بذكره (٩).


(١) شرح المنار جـ ١ ص ١١١.
(٢) التلويح على التوضيح جـ ٢ ص ٥١.
(٣) المصدر السابق.
(٤) جمع الجوامع جـ ١ ص ٤٢٠.
(٥) آية ٩٣ سورة آل عمران.
(٦) آية ٩٩ سورة الأنعام.
(٧) آية ٧٢ سورة طه.
(٨) آية ١٦٠ سورة الأعراف.
(٩) جمع الجوامع بشرح المحلى وحاشية العطار جـ ١ ص ٤٢٥ وما بعدها.