للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأتلفت شيئا أو أجج على سطحه نارا فطارت شرارة إلى دار الجار فأحرقتها فان كان الذى فعله قد جرت به العادة لم يضمن لأنه غير متعد، وإن فعل ما لم تجر به العادة بأن أجج من النار ما لا يقف على حد داره ضمن لأنه متعد.

[مذهب الحنابلة]

وقال الحنابلة (١) كذلك بهذا الرأى، فقالوا: إذا أوقد بملكه نارا أو فى موات فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها لم يضمن إذا فعل ما جرت به العادة من غير تفريط‍ لأنه غير متعد. ولأنها سراية فعل مباح، وإن كان ذلك بتفريط‍ منه بأن أجج نارا تسرى فى العادة لكثرتها أو فى ريح شديدة تحملها أو أوقد فى دار غيره ضمن ما تلف به، وإن سرى إلى غير الدار التى أوقد فيها لأنها سراية عدوان وإن أوقد نارا فأيبست أغصان شجر غيره ضمنه، لأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة إلا أن تكون الأغصان فى هوائه (أى داخلة فى ملكه) فلا يضمنها، لأن دخولها عليه غير مستحق.

وجاء فى كشاف القناع: وإن أجج نارا فى موات أو فى ملكه بأن أوقد النار حتى صارت تلتهب فى داره أو علي سطحه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه لم يضمن الفاعل، لأن ذلك ليس من فعله ولا تعديه ولا تفريطه وذلك إذا كان التأجج ما جرت به العادة بلا إفراط‍ ولا تفريط‍، فإن فرط‍ بأن ترك النار مؤججة ونام فحصل التلف بذلك وهو نائم ضمن لتفريطه، أو فرط‍ بأن أجج نارا تسرى فى العادة لكثرتها أو أججها فى ريح شديدة تحملها إلى ملك غيره ضمن لتعديه، وكذا لو أججها قرب زرب (أى حظيرة المواشى) أو حميد، ولا يضمن إن تعدت النار لطيران الريح بعد أن لم تكن لعدم تفريطه قال فى عيون المسائل: لو أججها على سطح دار فهبت الريح فأطارت الشرر لم يضمن لأنه فى ملكه ولم يفرط‍، وهبوب الريح ليس من فعله.

[مذهب الظاهرية]

وعند الظاهرية (٢): جاء فى المحلى: من أوقد نارا ليصطلى أو ليطبخ شيئا وأوقد سراجا ثم نام فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعة وناسا فلا شئ عليه فى ذلك أصلا لأنه غير متعد. أما إذا تعدى فعليه الضمان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «النار جبار»، وهو خبر صحيح تقوم به الحجة فوجب بهذا أن كل ما تلف بالنار فهو هدر إلا نار اتفق الجميع على تضمين طارحها، وليس ذلك إلا ما تعمد الإنسان طرحه للإفساد والإتلاف، فهذا مباشر متعد.

[مذهب الزيدية]

وعند الزيدية (٣) من أجج ناراً فى ملكه فحملتها الريح إلى موضع فأهلكت مالا فيه، فانه لا يضمن. لأنها انتقلت عن


(١) المغنى ج‍ ٥ ص ٤٥٣ وكشاف القناع ج‍ ٢ ص ٣٦٧.
(٢) المحلى ج‍ ١١ ص ١٩، ٢٠.
(٣) شرح الأزهار وحاشيته ج‍ ٤ ص ٤٢٠، ٤٢١.