للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال في موضع آخر: إنه إذا ادعت المرأة على الزوج أنه عنين وأنكر الزوج، فالقول قوله مع يمينه، فإن نكل ردت اليمين على المرأة، وقال أبو سعيد الإصْطَخرى: يقضى عليه بنكوله ولا تحلف المرأة؛ لأنه أمر لا تعلمه، والمذهب الأول؛ لأنه حق نكل فيه المدعَى عليه عن اليمين فردت على المدعى كسائر الحقوق، وقوله: إنها لا تعلمه، يبطل باليمين في كناية الطلاق وكناية القذف، فإذا حلفت المرأة أو اعترف الزوج أجّله الحاكم سَنةً؛ لما روى سعيد بن المسيب أن عمر - رضى الله تعالى عنه - قضى في العنين أن يؤجل سَنةً (١). وعن عليّ عَلَيْهِ السَّلام وعبد الله والمغيرة بن شعبة - رضى الله تعالى عنهم - نحوه، ولأن العجز عن الوطء قد يكون بالتعنين، وقد يكون لعارض من حرارة أو برودة أو رطوبة أو يبوسة، فإذا مضت عليه الفصول الأربعة، واختلفت عليه الأهوية ولم يزل دلَّ على أنه خلقةٌ، ولا تثبت المدة إلا بالحاكم؛ لأنه يختلف فيها بخلاف مدة الإيلاء، فإن جامعها في الفرج سقطت المدة، وأدناه أن يغيّب الحشفة في الفرج؛ لأن أحكام الوطء تتعلق به، ولا تتعلق بما دونه، فإن كان بعض الذكر مقطوعًا لم يخرج من التعنين إلا بتغييب جميع ما بقى، ومن أصحابنا من قال: إذا غُيِّب من الباقى بقدر الحشفة خرج من حكم التعنين؛ لأن الباقى قائم مقام الذكر، والمذهب الأول (٢).

ثالثًا: إنكار المهر والزيادة فيه:

جاء في (المهذب): أنه إذا اختلف الزوجان في قدر المهر أو في أجله تحالفا؛ لأنه عقد معاوضة فجاز أن يثبت التحالف في قدر عوضه وأجله كالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح؛ لأن التحالف يوجب الجهل بالعوض، والنكاح لا يبطل بجهالة العوض، ويجب مهر المثل؛ لأن المسمى سقط وتعذر الرجوع إلى العوض فوجب بدله كما لو تحالفا في الثمن بعد هلاك المبيع في يد المشترى، وقال أبو على بن طبران: إن زاد مهر المثل على ما تدعيه المرأة لم تجب الزيادة؛ لأنها لا تدعيها، وقوله: هذا فاسد، وإن ماتا أو أحدهما قام الوارث مقام الميت، فإن اختلف الزوج وولى الصغير في قدر المهر ففيه وجهان: أحدهما: يحلف الزوج ويوقف يمين المنكوحة إلى أن تبلغ ولا يحلف الولى؛ لأن الإنسان لا يحلف لإثبات الحق لغيره، والوجه الثاني: أنه يحلف وهو الصحيح؛ لأنه باشر العقد فحلف كالوكيل في البيع، فإن بلغت المنكوحة قبل التحالف لم يحلف الولى؛ لأنه لا يقبل إقراره عليها فلم يحلف وهذا فيه نظر؛ لأن الوكيل يحلف وإن لم يُقبل إقراره، وإن ادعت المرأة أنها تزوجت به يوم السبت بعشرين ويوم الأحد بثلاثين، وأنكر الزوج أحد العقدين، وأقامت المرأة البينة على العقدين وادعت المهرين قضى لها؛ لأنه يجوز أن يكون تزوجها يوم السبت ثم خالعها؛ ثم تزوجها يوم الأحد فلزمه المهران، وإن اختلفا في قبض المهر فادعاه الزوج وأنكرت المرأة فالقول قولها؛ لأن الأصل عدم القبض وبقاء المهر، وإن كان الصداق تعليم سورة فادعى الزوج أنه علَّمها، وأنكرت


(١) سنن ابن منصور، باب ما جاء في العنين. ومصنف ابن أبي شيبة، باب كم يؤجل العنين. ومصنف عبد الرزاق، باب أجل العنين.
(٢) المهذب: ٢/ ٤٩.