وان رجع عن اقراره وقال: كذبت فى اقرارى أو رجعت عنه أو لم افعل ما أقررت به وجب تركه.
فان قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه لأنه قد زال اقراره بالرجوع عنه فصار كمن لم يقر ولا قصاص على قاتله لأن أهل العلم اختلفوا فى صحة رجوعه فكان اختلافهم شبهة دارئة للقصاص، ولأن صحة الاقرار مما يخفى فيكون ذلك عذرا مانعا من وجوب القصاص (١).
[مذهب الظاهرية]
جاء فى المحلى انه اذا صح الاعتراف بالزنا مرة أو ألف مرة فهو كله سواء فى ايجاب الحد ولا بد، وليس الترديد أربع مرات شرطا فى اقامة الحد وذلك لما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه رضى الله تعالى عنهما أن ماعز ابن مالك الأسلمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى قد ظلمت نفسى وزنيت وأنى أريد أن تطهرنى فرده، فلما كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله انى قد زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا أتنكرون منه شيئا؟ فقالوا ما نعلم الا أنه وفى العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة فأرسل اليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه انه لا بأس به ولا بعلقه، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم امر به فرجم، فجاءت الغامدية فقالت يا رسول الله انى قد زنيت فطهرنى، وانه صلى الله عليه وسلم ردها، فلما كان الغد قالت:
يا رسول الله أتردنى لعلك تريد أن تردنى كما رددت ماعزا، فو الله انى لحبلى، قال لها:
لا، أما الآن فاذهبى حتى تلدى، فلما ولدت أتته بالصبى فى خرقة قالت: هذا قد ولدته قال: فاذهبى فارضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبى فى يده كسرة خبر قالت: هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى الى رجل من المسلمين ثم امر بها فحفر لها الى صدرها وأمر الناس فرجموها، فهذا هو البيان الجلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأى شئ رد ماعزا، لأن الغامدية قررته صلّى الله عليه وسلّم على أنه رد ماعزا وانه لا يحتاج الى ترديدها لأن الزنا الذى افرت به صحيح ثابت وقد ظهرت علامته وهى حبلها - فصدقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك وأمسك عن ترديدها.
ولو كان ترديده صلّى الله عليه وسلّم ماعزا من أجل أن الاقرار لا يصح بالزنا حتى يتم أربع مرات لأنكر عليها هذا الكلام ولقال لها: لا شك انما أردك كما رددت ماعزا لأن الاقرار لا يتم الا بأربع مرات وهو صلّى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ ولا على باطل، فصح يقينا انها صادقة فانها لا تحتاج من الترديد الى ما احتاج اليه ماعز ولذلك لم يردها صلّى الله عليه وسلّم.
وصح أن ترديده صلّى الله عليه وسلّم ماعزا انما كان لوجهين:
أحدهما: ما نص صلّى الله عليه وسلّم من تهمته لعقله فسأل صلّى الله عليه وسلّم قومه المرة بعد المرة هل به جنون.