للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الحيض لا يكون أكثر من ذلك. فإذا أدركت جزءًا من الوقت لزمها قضاء تلك الصلاة سواء تمكنت فيه من الاغتسال أو لم تتمكن بمنزلة كافر أسلم وهو جنب أو صبى بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكن. وأما إذا كانت أيامها دون العشرة فمدة الاغتسال من جملة حيضها على ما قال الشعبى: حدثنى سبعة عشر نفرًا من الصحابة أن الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل. وهذا لأن صاحبة هذه البلوى لا تكاد ترى الدم على الولاء ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى فبمجرد الانقطاع لا تخرج من الحيض لجواز أن يعاودها، فإذا اغتسلت يحكم بطهارتها شرعًا، فإذا ثبت أن مدة الاغتسال من حيضها قلنا: إذا أدركت من الوقت مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه وتفتتح الصلاة فقد أدركت جزءًا من الوقت بعد الطهارة فعليها قضاء تلك الصلاة وإلا فلا. وعلى هذا حكم القربان للزوج: إن كانت أيامها عشرة فمتى انقطع الدم جاز للزوج أن يقر بها عندنا، وعند زفر رحمه الله تعالى ليس له ذلك ما لم تغتسل؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (١) والأطهار بالاغتسال. ودليلنا أنه بمجرد انقطاع الدم تيقنا خروجها من الحيض والمانع من الوطء الحيض لا وجوب الاغتسال عليها، ألا ترى أن الطاهرة إذا كانت جنبًا فللزوج أن يقربها. فكذلك هنا بعد التيقن بالخروج من الحيض للزوج أن يقربها، ولو كانت أيامها دون العشرة فانقطع دمها لم يكن للزوج أن يقربها ما لم تغتسل؛ لأن مدة الاغتسال من حيضها، فإن مضى عليها وقت صلاة فللزوج أن يقربها عندنا، وقال زفر رحمه الله تعالى: ليس له ذلك لبقاء فرض الاغتسال عليها، كما لو كان قبل مضى الوقت.

وإذا انقطع دم المرأة دون عادتها المعروفة في حيض أو نفاس اغتسلت حين تخاف فوت الصلاة وصلت وتجنبها زوجها احتياطًا حتى تأتى على عادتها؛ لأن حيض المرأة لا يبقى على صفة واحدة في جميع عمرها بل يزداد تارة وينقص أخرى، فالانقطاع قبل تمام عادتها طهر ظاهر على احتمال أن لا يكون طهرًا بأن يعاودها الدم، فإن الدم لا يسيل في زمان الحيض على الولاء فينبغى لها أن تأخذ بالاحتياط.

[مذهب المالكية]

جاء في (الشرح الكبير) (٢): أن أكثر الحيض للمبتدأة غير حامل تمادى بها الدم نصف شهر أي خمسة عشر يومًا؛ فإن انقطع قبله طهرت مكانها، وليس المراد بتماديه استغراقه الليل والنهار بل إذا رأت باستمراره قطرة في يوم أو ليلة حسبت ذلك اليوم أو صبيحة تلك الليلة يوم دم، وإن كانت تغتسل وتصلى كلما انقطع كأقل الطهر فإنه نصف شهر لمبتدأة وغيرها، ولا حد لأكثره. قال في المدونة: والتي أيامها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيام؛ وفى آخر أقل أو أكثر إذا تمادى بها الدم تستظهر على أكثر أيامها وإذا رأت الطهر يومًا والدم يومًا أو يومين واختلط هكذا لفقت من أيام الدم عدة أيامها التي كانت تحيض وألغت أيام الطهر ثم تستظهر


(١) سورة البقرة: الآية: ٢٢٢.
(٢) الشرح الكبير: ١/ ١٦٨، ١٦٩.