للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب المالكية]

جاء فى تهذيب الفروق:

ان الجهل والنسيان وان اشتركا فى أن المتصف بواحد منهما غير عالم بما أقدم عليه الا أنه يفرق بينهما من جهتين.

الجهة الأولى: ان النسيان يهجم على العبد فهرا بحيث لا تكون له حيلة فى دفعه عنه بخلاف الجهل فان له حيلة فى دفعه بالتعلم.

الجهة الثانية: ان الأمة قد اجمعت على أن النسيان لا اثم فيه من حيث الجملة ودل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» على أن الناسى معفو عنه.

وأما الجهل فليس كذلك لأن من القاعدة التى حكى الغزالى رضى الله تعالى عنه فى احياء علوم الدين والشافعى رضى الله تعالى عنه فى رسالته الاجماع عليها من أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه، ويدل عليها من جهة القرآن قول الله عز وجل حكاية عن نوح عليه السّلام: «انى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم» (١).

اذ معناه ما ليس لى بجواز سؤاله علم وذلك انه عليه السّلام لما عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه فى السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد وانه مما ينبغى طلبه أم لا واجاب بما ذكر فالعتب والجواب كلاهما يدل على انه لا بد من تقديم العلم بما يريد الانسان ان يشرع فيه، وكذا قول الله عز وجل:

«ولا تقف ما ليس لك به علم» (٢) حيث نهى الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم عن اتباع غير المعلوم فدل على انه لا يجوز الشروع فى شئ حتى يعلم، وكذا قوله صلّى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة» يعلم ان طلب العلم واجب عينا فى كل حالة يقدم عليها الانسان، فمن باع يجب أن يتعلم ما عينه الله وشرعه فى البيع.

ومن آجر يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى فى الاجارة.

ومن قارض يجب عليه أن يتعلى حكم الله تعالى فى القراض.

ومن صلى يجب عليه ان يتعلم حكم الله تعالى فى تلك الصلاة وهكذا الطهارة وجميع الاقوال والاعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم فقد اطاع الله تعالى طاعتين ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله تعالى معصيتين.

ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية ومن هنا قال مالك رحمه الله تعالى: ان الجهل فى الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسى، بل قال العلامة الامير فى شرحه على نظم بهرام فيما لا يعذر فيها كالجهل: القاعدة أن الجاهل فى العبادات كالعامد وذلك انه بتركه الواجب عليه من العلم بما يقدم عليه من نحو الصلاة كان عاصيا كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه.


(١) الآية رقم ٤٧ من سورة هود.
(٢) الآية رقم ٣٦ من سورة الاسراء.