للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يفتقر إلى أمر مجدد، ومذهب المحصلين أن الأمر بعبادة في وقت لا يقتضى القضاء، لأن تخصيص العبادة بوقت الزوال أو شهر رمضان كتخصيص الحج بعرفات، وتخصيص الزكاة بالمساكين وتخصيص الضرب والقتل بشخص وتخصيص الصلاة بالقبلة، فلا فرق بين الزمان والمكان والشخص فإن جميع ذلك تقييد للمأمورية بصفة والعارى عن تلك الصفة لا يتناوله اللفظ. بل يبقى على ما كان قبل الأمر.

فإن قيل: الوقت للعبادة كالأجل للدين فكما لا يسقط الدين بانقضاء الأجل لا تسقط الصلاة الواجبة في الذمة بانقضاء المدة "الوقت المحدد للأداء".

قلنا: مثال الأجل الحول في الزكاة لا جرم لا تسقط الزكاة بانقضائه لأن الأجل مهلة لتأخير المطالبة حتى ينجز بعد المدة. أما الوقت فقد صار وصفا للواجب كالمكان والشخص، ومن أوجب عليه شئ بصفة. فإذا أتى به لا على تلك الصفة لم يكن ممتثلا. نعم يجب القضاء في الشرع إما بنص كقوله "من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها" أو بقياس، فإنا نقيس الصوم إذا نسيه على الصلاة إذا نسيها ونراه في معناها. ولا نقيس عليه الجمعة ولا الأضحية فإنهما لا يقضيان في غير وقتهما، وفى رمى الجمار تردد، أنه بأى الأصلين أشبه، ولا نقيس صلاه الحائض على صومها في القضاء لفرق النص، ولا نقيس صلاة الكافر وزكاته على صلاة المرتد وإن تساويا في أصل الأمر والوجوب عندنا.

[٢ - الآمدي]

يجب القضاء بالأمر الأول عند الحنابلة وكثير من الفقهاء (١)، والفقهاء بأمر مجدد هو مذهب المحققين من أصحابنا - أهل السنة والمعتزلة ونقل عن أبى زيد الديدس "من الحنفية" أنه قال بوجوب القضاء بقياس الشرع وإن ورد مطلقا غير مقيد بوقت.

فمن قال بحمله على الفور اختلفوا فيما إذا وقع الإخلال به في أول وقت الإمكان: هل يجب قضاؤء بنفس الأمر الأول؟ أو بأمر مجدد؟.

والمختار أنه مهما قيد الأمر بوقت فالقضاء بعده لا يكون إلا بأمر مجدد وبيانه من وجوه:

الوجه الأول: أنه لو كان الأمر الأول مقتضيا للقضاء لكان مشعرا به، وهو غير مشعر به فإنه إذا قال صم في يوم الخميس أو صل في وقت الزوال فإنه لا إشعار له بإيقاع الفعل في غير ذلك الوقت لغة.

الوجه الثاني: أنه إذا علق الفعل بوقت معين فلابد أن يكون ذلك لحكمة ترجع إلى المكلف إذ هو الأصل في شرع الأحكام سواء ظهرت الحكمة أم لم تظهر وتلك الحكمة إما أن تكون حاصلة من الفعل في غير ذلك الوقت أو غير حاصلة. وليست حاصلة لثلاثة أمور ذكرها الوجه الثالث: أن العبادات المأمور بها منقسمة إلى ما يجب قضاؤة كالصوم والصلاة وإلى ما لا يجب قضاؤه كالجمعة والجهاد. فلو كان الأول مقتضيا للقضاء لكان القول بعدم القضاء فيما فرض من الصور على خلاف الدليل وهو ممتنع.


(١) الأحكام للآمدى جـ ٢ ص ٢٦٢.