للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحيح أن الأصولى العارف بمدارك الأحكام وكيفية تلقيها من المفهوم والمنظوم، وصيغة الأمر والنهى والعموم، وكيفية تفهم النصوص والتعليل أولى بالاعتداد بقوله من الفقيه الحافظ‍ للفروع، بل ذو الآلة من هو متمكن من درك الأحكام إذا أراد وإن لم يحفظ‍ الفروع، والأصولى قادر عليه، والفقيه الحافظ‍ للفروع - أى الذى ليس له تبريز فى الفقه والترجيح مع حفظه للفروع - لا يتمكن منه، وآية أنه لا يعتبر حفظ‍ الفروع: أن العباس والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبا عبيدة ابن الجراح وأمثالهم ممن لم ينصب نفسه للفتوى، ولم يتظاهر بها تظاهر العبادلة (١).

وتظاهر على وزيد بن ثابت ومعاذ، كانوا يعتدون بخلافهم لو خالفوا، وكيف لا وقد كانوا صالحين للامامة العظمى، ولا سيما لكون أكثرهم فى الشورى، وما كانوا يحفظون الفروع، بل لم تكن الفروع موضوعة بعد، لكن عرفوا الكتاب والسنة وكانوا أهلا لفهمهما، فينبغى أن يعتد بخلاف الأصولى وبخلاف الفقيه المبرز (٢).

وحكى عبد العزيز البخارى الخلاف فى اعتبار الأصولى والفقيه الفروعى، فذكر أن من العلماء من اعتبر الأصولى دون الفروعى، ومنهم من اعتبر الفروعى دون الأصولى، ومنهم من اعتبرهما جميعا، ومنهم من نفاهما جميعا.

وقال: إن الرأى الأخير هو ما يشير إليه كلام الشيخ - أى البزدوى - نظرا إلى عدم الأهلية فيهما، وهى المعتبرة والموجودة فى أهل فى أئمة الحل والعقد من المجتهدين (٣).

ويرى ابن الحاجب المالكى عدم الاعتداد بوفاق المقلد، أى أن الإجماع ينعقد بدونه فلا ينتظر وفاقه، ولو كان قد حصل طرفا من العلوم التى لها مدخل فى الاجتهاد، أصوليا كان أو فروعيا أو غيرهما (٤).

وكذلك الزيدية فإنهم يقولون: لا اعتبار بالمقلد فى الإجماع سواء وافق أو خالف على الأرجح (٥).

وهذا هو ما رجحه أيضا المقدسى الحنبلى فى روضة الناظر (٦).

[ثالثا: المجتهد الفاسق أو المبتدع]

لا يعتد فى الإجماع بقول غير مسلم، فلا يعتد باليهود ولا بالنصارى، ولا بالمرتدين


(١) العبادلة - كما قال صاحب القاموس - هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وليس منهم عبد الله بن مسعود، كما قال فى القاموس:
وغلط‍ الجوهرى - أى فى عده بن مسعود من العبادلة - والصحيح أن الجوهرى لم يعده منهم ولعل نسخة محرفة من الصحاح وقعت لصاحب القاموس فيها، ذلك مع أن جميع نسخه ليس فيها ذلك، اهـ‍ .. شارح القاموس.
(٢) ص ١٨٣ ج‍ ١ من المستصفى.
(٣) حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ص ٩٦٠ ج‍ ٣.
(٤) ص ٣٣ ج‍ ٢ من المختصر وشرحه للعضد.
(٥) ص ٤٩١، ٥٦٠ من شرح هداية العقول ج‍ ١.
(٦) ص ٣٥٢ ج‍ ١ من روضة الناظر.