للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الإسلام رغبة عنه، ولا بالمنكرين لما علم من الدين بالضرورة من غير شبهة.

وذلك لأن الإجماع هو اتفاق الأمة أو مجتهدى الأمة، وهؤلاء ليسوا من الأمة.

أما الفاسق باعتقاد أو فعل، ففى الاعتداد به فى الإجماع خلاف وتفصيل.

فالحنفية يقولون، كما فى كشف الأسرار للبزدوى: «إن أهلية الإجماع إنما تثبت بأهلية الكرامة وذلك لكل مجتهد ليس فيه هوى ولا فسق، أما الفسق فيورث التهمة ويسقط‍ العدالة، وبأهلية أداء الشهادة، وصفة الأمر بالمعروف ثبت هذا الحكم، وأما الهوى، فإن كان صاحبه يدعو الناس إليه، فقد سقطت عدالته بالتعصب الباطل، وبالسفه، وكذلك أن مجن به، وكذلك أن غلا حتى كفر.

وصاحب الهوى المشهور به ليس من الأمة على الإطلاق (١).

ويوضح ذلك شارحه عبد العزيز البخارى فيقول:

«إن أهلية الإجماع ثبتت بصفة الاجتهاد والاستقامة فى الدين عملا واعتقادا، لأن النصوص والحجج التى جعلت الإجماع حجة تدل على اشتراط‍ هذه المعانى: أما اشتراط‍ الاستقامة عملا، وهى العدالة، فلأن حكم الإجماع وهو كونه ملزما إنما ثبت بأهلية أداء الشهادة كما قال تعالى:

«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ».

وبصفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قال عز وجل: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» لأنهما يوجبان اتباع الآمر بالمعروف والناهى، فيما يأمر وينهى، إذ لو لم يلزم الاتباع لا يكون فيهما فائدة، وإنما يلزم اتباع العدل المرضى فيما يأمر به وينهى عنه دون غيره، لأن ذلك بطريق الكرامة، والمستحق للكرامات على الإطلاق من كان بهذه الصفة، والفسق يسقط‍ العدالة فلم يبق به أهلا لأداء الشهادة، ولا يوجب اتباع قوله لأن التوقف فى قوله واجب بالنص، يقصد قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» (٢).

وذلك ينافى وجوب الاتباع ويورث التهمة لأنه لما لم يتحرز من إظهار فعل ما يعتقده باطلا، لا يتحرز من إظهار قول يعتقده باطلا، فثبت أن الفاسق ليس من أهل الإجماع، وأنه لا اعتبار لقوله وافق أم خالف.

وأما اتباع الهوى والبدعة فمانع أيضا من أهلية الإجماع، بشرط‍ أن يكون صاحبه داعيا إليه، أو ماجنا به، أو غاليا فيه بحيث يكفر به، فإنه إذا كان يدعو الناس إلى معتقده، سقطت عدالته لأنه يتعصب لذلك حينئذ تعصبا باطلا حتى


(١) ص ٩٥٦ ج‍ ٣ من كشف الأسرار.
(٢) سورة الحجرات: ٦.