للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: أنه يجاهد من غير أذن لأنه اجتمع حقان متعينان، وتعين الجهاد سابق فقدم.

وإن أحاط‍ العدو بهم تعين فرض الجهاد وجاز من غير إذن الأبوين، لأن ترك الجهاد فى هذه الحالة يؤدى إلى الهلاك فقدم على حق الأبوين.

مذهب الحنابلة (١):

لا يجاهد متطوعا من أبواه حران مسلمان عاقلان إلا بإذنهما وإن كان أحدهما حرا مسلما عاقلا لم يجاهد تطوعا إلا بإذنه، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال:

جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أجاهد. فقال: «لك أبوان؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد». وروى البخارى معناه من حديث ابن عمرو. روى أبو داود عن أبى سعيد أن رجلا هاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: «هل لك أحد باليمن؟». فقال: أبواى. فقال: «أذنا لك؟» قال: لا. قال: «فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما.

ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية والأول مقدم إلا أن يتعين عليه الجهاد لحضور الصف أو حصر العدو أو استنفار الإمام له أو نحوه، فيسقط‍ إذنهما، لأنه يصير فرض عين وتركه معصية، ولا طاعة للوالدين فى ترك فريضة، كتعلم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك، وإن لم يحصل فله السفر لطلبه بلا أذنهما، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

ولا إذن لجد ولا لجدة، فإن خرج فى جهاد تطوع بإذن والديه ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعينه عليه فعليه الرجوع، إلا أن يخاف على نفسه فى الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض ونحوه، فإن أمكنه الإقامة فى الطريق أقام حتى يقدر على الرجوع فيرجع وإلا مضى مع الجيش، وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط‍ إذنهما.

وإن كانا كافرين فأسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما على ما تقدم تفصيله.

مذهب الظاهرية (٢):

لا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين، إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إغاثتهم أن يقصدهم مغيثا لهم، أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده، فلا يحل له ترك من يضيع منهما. وروى البخارى: حدثنا آدم وحدثنا شعبة وحدثنا حبيب بن أبى ثابت قال: سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم فى الحديث قال: سمعت عبد الله ابن عمرو بن العاص يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فى الجهاد، فقال له عليه الصلاة والسلام:

«أحى والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد». ثم ذكر عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

«السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».

مذهب الزيدية (٣):

حيث يكون الواجب آكد كالجهاد والنفقة


(١) كشاف القناع ج‍ ١ ص ٦٥٧.
(٢) المحلى ج‍ ٧ ص ٢٩٢.
(٣) التاج المذهب ج‍ ٤ ص ٤١٦.