للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينة لى حاضرة ثم أحضرها فإنها تقبل قطعًا لعدم المناقضة، ولو قال: شهودى فسقة أو عبيد فجاء بعدول وقد مضت مدة استبراء أو عتق قبلت شهادتهم وإلا فلا، قال الأذرعى: وهذا ظاهر فيما إذا اعترف أن هذه البينة هي التي نسب إليها ذلك، أما لو أحضر بينته عن قرب فقال: هذه بينه عادلة جهلتها أو نسيتها غير تلك ثم علمتها أو تذكرتها فيشبه أن تقبل لا سيما إذا كانت حرية المحضرين وعدالتهم مشهورة (١)، ثم قامت البينة على المدعى عليه، فليس له تحليف المدعى على استحقاقه ما ادعا؛ لأنه تكليف حجة بعد حجة بل هو كالطعن في الشهود ويستثنى من ذلك صورتان الأولى: إذا أقيمت بينة بعين الشخص، وقالت البينة: لا نعلمه باعها ولا وهبها فيحلف المدعى أنها لم تخرج عن ملكه بوجه من الوجوه ثم تدفع إليه، وهذا كما قال الإمام الشافعي رضى الله تعالى عنه - والصورة الثانية: إذا أقيمت بينة بإعسار المديون فلصاحب الدين تحليفه في الأصح لجواز أن يكون له مال في الباطن، وإن ادعى من أقيمت عليه البينة ما يسقط الحق كأن ادعى أداء له أو إبراء منه في الدَّين أو شراء عين من مدعيها أو هبتها وإقباضها منه؛ حلَّفه على نفى ما ادعاه، وهو أنه ما تأدى منه الحق ولا أبرأه من الدين ولا باعه العين ولا وهبه إياها، ومحل ذلك إذا ادعى حدوث شئ من ذلك قبل إقامة البينة والحكم، وكذا بينهما بعد مضى زمن إمكانه، فإن لم يمض زمن إمكانه لم يلتفت إليه، وكذا إن ادعى بعد الحكم حدوثه قبل البينة على الأصح، في أصل الروضة لثبوت المال عليه بالقضاء، ولو ادعى الخصم على المدعى بفسق شاهده الذي أقامه أو كذبه فله تحليفه أيضًا على نفى ما ادعاه في الأصح المنصوص؛ لأنه لو أقر به لبطلت شهادته، والقول الثاني المقابل للأصح: لا يحلفه؛ لأنه لم يدع عليه حقًّا، وإنما ادعى عليه أمرًا لو ثبت لنفعه واحترز بالبينة عما لو حلف المدعى قبل ذلك، أما مع شاهد أو يمين الاستظهار فإنه لا يحلف بعد هذه الدعوى على نفى ذلك كما صوبه البلقينى؛ لأن الحلف مع ذلك قد يعرض فيه الحالف لاستحقاقه، الحق فلا يحلف بعد ذلك على نفى ما ادعاه خصمه (٢).

رابعًا: الدعاوى التي يستحلف فيها المنكر والتي لا يستحلف فيها:

ويجرى التحليف في العقود والفسوخ كنكاح وطلاق وسائر حقوق الآدميين ولو شتما وضريا أوجبا تعزيرًا لخبر: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) وخبر: (اليمين على المدعى عليه) ولا تسمع دعوى في حد الله تعالى وتعزيزه (نعم لو) تعلق به حق آدمى كأن (قذفه) غيره (فطالبه بالحد فله تحليفه أنه ما زنى) (فإن) حلف حد القاذف.

وإن (نكل وحلف القاذف سقط) عنه (الحد ولم يثبت الزنا) على المقذوف (بحلفه)؛ لأنه لا يثبت بعدلين فكيف يثبت باليمين المردودة. (وكذلك) له (تحليف وارث المقذوف) أنه يعلم أن مورثه زنى (إن طالبه) بالحد، كما مر في الباب المذكور (ويثبت) باليمين (المردودة) في دعوى السرقة (المال دون القطع كما في السرقة) (٣).


(١) مغنى المحتاج: ٤/ ٣٦٩، وما بعدها.
(٢) المرجع السابق: ٤/ ٤٢٩ - ٤٣٠، وما بعدها.
(٣) أسنى المطالب شرح روض الطالب: ٤/ ٤٠٢، ٤٠٢.