للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثًا: ظهور البينة بعد اليمين:

إذا ادّعى رجل على غيره حقا فأنكره المدعى عليه وحلف، ثم أتى المدعى ببينة فلا حكم لهذه اليمين، وقبلت البينة بعدها وحكم بها (١). وقيل: لا تقبل البينة بعد اليمين، وإنما تقبل اليمين بعد النكول والبينة بعد اليمين ما لم يحكم فيهما، أي في النكول واليمين. فأما إذا كان الحاكم قد حكم على الناكل بالحق لأجل نكوله لم تقبل يمينه بعد الحكم، أو حكم بسقوط الحق عن المنكر لأجل يمينه؛ لم تسمع بينة المدعى بعد الحكم، ومتى وردت اليمين على المدعى لزمته، فإن نكل لم يحكم له بما ادعاه. وقيل: لو طلب أنه يحلف بعد أن ردها لم يجب إلى ذلك لأن حقه قد بطل بالرد أو طلب المدعى عليه من المدعى تأكيد بينته بيمين أن شهوده شهدوا بحق فإنها تلزم تلك اليمين بشروط أربعة. الشرط الأول: أن يطلب المدعى عليه، الشرط الثاني: أن تكون بينته غير البينة المحققة. وهى أن لا يشْهد الشهود على التحقيق بل يشهدون بالظاهر، فإذا شهدوا على التحقيق لم تلزم هذه اليمين المؤكدة، وقيل: إنها تجب سواء شهدوا على التحقيق أم على الظاهر. الشرط الثالث: أن تكون الدعوى لآدمى في حقه المحض فيؤكد ببينة بها أي باليمين من المدعى، فلو كان مشوبا بحق الله تعالى لم تجب. والشرط الرابع: أن يكون ذلك حيث أمكنت اليمين بخلاف ما لو ادعى الولى لصبى أو لمسجد فطلب المنكر من الولى تأكيد البينة باليمين. فهى هاهنا لا تمكن فلا تلزم؛ وكذا لو ردّت عليه لم تلزم، فمتى كملت هذه الشروط لزمت اليمين المؤكدة (٢). وقد زيد شرط خامس، وهو أن يكون طلبها عند الحاكم (٣).

وقيل: لا يجمع بين البينة واليمين. وذلك ظلم عند السادة والفقهاء إلا عند الهادى والأوزاعى والحسن بن صالح (٤).

رابعًا: الدعاوى التي يستحلف فيها المنكر والدعاوى التي لا يستحلف فيها:

اليمين الأصلية تجب على كل منكر يلزم بإقراره حق لآدميّ غالبا، فأما لو كان يلزمه بإقراره حق لله محض كالزنا وشرب الخمر وكذا السرقة حيث يدعى عليه للقطع لا للمال. فإنه لو ادعيت عليه هذه الأشياء فأنكرها لم تلزمه اليمين (٥).

[مذهب الإمامية]

أولًا: أثر الإنكار في وجوب اليمين على المنكر:

الفاصل بين الخصومات مع عدم إقرار المدعى عليه وعدم علم الحاكم - إنما هو البينة واليمين، كما هو في جملة من الأخبار منها صحيفة أسعد وهشام، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما أقضى بينكم بالبينات والأيمان" وهذه الأخبار مجملة من حيث اعتبار ضمّها معًا أو كفاية أحدهما لأحدهما أيهما كان، أو كل منهما لمعيّن، لكن يستفاد من جملة أخرى أن البينة وظيفة المدعى عليه، ومنها صحيفة العجلى: "الحقوق كلها البينة على المدعى، واليمين على


(١) شرح الأزهار:٤/ ١٤٦.
(٢) المرجع السابق: ٤/ ١٤٧.
(٣) السابق: ٤/ ١٤٨.
(٤) السابق: ٤/ ١٤٩.
(٥) السابق: ٤/ ١٤٣.