للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصبى وكذا سائر الأولياء، بل ينتظر بلوغه وللأب أن يعفو عن القاتل لمصلحة. ولو قتل رجل أباه وله أخ وأم فإن عليه القتل للأخ والأم، فإذا قتل الأخ الأم أو ماتت سقط‍ عن قاتل الأب القود، لأنه قد ورث نصيب الأم أو بعضه، ويقتل قاتل الأم.

مذهب الإمامية (١):

ولو كان الولى صغيرا وله أب أو جد لم يكن له أى وليه من الأب لاستيفاء إلى بلوغه، لأن الحق له ولا يعلم ما يريده حينئذ، ولأن الغرض التشفى ولا يتحقق تعجيله قبله وحينئذ فيحبس القاتل حتى يبلغ.

وقال أكثر المتأخرين يراعى المصلحة، فإن اقتضت تعجيله جاز، لأن مصالح الطفل منوطة بنظر الولى، ولأن التأخير ربما استلزم تفويت القصاص وهو أجود.

مذهب الإباضية (٢):

ويقتص طفل بواسطة أبيه لا غيره، أى يقتص له أبوه من بالغ إن كان له أب وإلا اقتص أبو أبيه.

الأب والأذن لولده

فى الجهاد والحج وغيره

مذهب الشافعية (٣):

إن كان أحد أبويه مسلما لم يجز له أن يجاهد بغير إذنه، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه فى الجهاد فقال: «أحى والداك؟» قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. وروى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال:

سألت النبى صلى الله عليه وسلم: أى الأعمال أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

«الصلاة لميقاتها» قلت: ثم ماذا؟ قال:

«بر الوالدين». قلت: ثم ماذا؟ قال:

«الجهاد فى سبيل الله». فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد، ولأن الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره، وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره، ولهذا قال رجل لابن عباس رضى الله عنهما: إنى نذرت أن أغزو الروم وان أبوى منعانى، فقال: «أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك».

وإن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما، لأنهما متهمان فى الدين.

وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا إنه يجاهد من غير إذنهما، لأنه لا أذن لهما فى أنفسهما فلم يعتبر أذنهما لغيرهما، وقيل إنه لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما لأن المملوك كالحر فى البر والشفقة فكان كالحر فى اعتبار الأذن.

وإن أراد الولد أن يسافر فى تجارة أو طلب علم جاز من غير إذن الأبوين لأن الغالب فى سفره السلامة.

وإن (٤) أذن الوالد لولده ثم رجع أو كان كافرا فأسلم فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج أى للجهاد إلا بالأذن، وإن كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان:

أحدهما: أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بالأذن لأنه عذر يمنع وجوب الجهاد، فإذا طرأ منع من الوجوب كالعمى والمرض.


(١) الروضة البهية ج‍ ٢ ص ٤١٥، ٤١٦.
(٢) شرح النيل ج‍ ٨ ص ٢٠٧.
(٣) المهذب ج‍ ٢ ص ٢٤٥.
(٤) المرجع السابق ص ٢٤٦.