للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالحج وصوم رمضان. ويدل لنا أنها عبادة لا تجب بأصل الشرع فلم تجب بافسادها كفارة كالنوافل ولأنها عبادة لا يدخل المال فى جبرانها فلم تجب الكفارة بافسادها كالصلاة ولأن وجوب الكفارة انما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بايجابها فتبقى على الأصل وما ذكروه ينتقض بالصلاة وصوم غير رمضان.

والقياس على الحج لا يصح لأنه مباين لسائر العبادات ولهذا يمضى فى فاسده ويلزم بالشروع فيه ويجب بالوط‍ ء فيه بدنة بخلاف غيره ولأنه لو وجبت الكفارة ههنا بالقياس عليه للزم أن يكون بدنة ون الحكم فى الفرع يثبت على صفة الحكم فى الأصل (١). فأما المباشرة دون الفرج فان كانت لغير شهوة فلا بأس بها مثل أن تغسل رأسه أو تغلبه أو تناوله شيئا لأن النبى صلّى الله عليه وسلّم كان يدنى رأسه الى عائشة رضى الله تعالى عنها وهو معتكف فترجله.

وان كانت عن شهوة فهى محرمة لقول الله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» ولقول عائشة رضى الله تعالى عنها السنة للمعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها. رواه أبو داود ولأنه لا يأمن افضاءها الى افساد الاعتكاف.

وما أفضى الى الحرام كان حراما. فأن فعل فأنزل فسد اعتكافه وان لم ينزل لم يفسد (٢).

وان ارتد المعتكف فسد اعتكافه لقوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» ولأنه خرج بالردة عن كونه من أهل الاعتكاف. وان شرب ما أسكره فسد اعتكافه لخروجه عن كونه من أهل المسجد.

ما يترتب على افساد اعتكافه:

وكل موضع فسد اعتكافه فأن كان تطوعا فلا قضاء عليه لأن التطوع لا يلزم بالشروع فيه فى غير الحج والعمرة. وان كان نذرا نظرنا فان كان نذر أياما متتابعة فسد ما مضى من اعتكاف واستئناف لأن التتابع وصف فى الاعتكاف قد أمكن الوفاء به فلزمه. وان كان نذر أياما معينة كالعشر الأواخر من شهر رمضان ففيه وجهان.

أحدهما: يبطل ما مضى ويستأنف لأنه نذر اعتكافا متتابعا فبطل بالخروج منه كما لو قيده بالتتابع بلفظه.

والثانى: لا يبطل لأن ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداءا صحيحا فلم يبطل بتركها فى غيره واذا لم يكن بد من الاخلال بأحدهما ففيما حصل ضرورة أولى. ولأن وجوب التتابع من حيث الوقت لا من حيث النذر فالخروج فى بعضه لا يبطل ما مضى منه كصوم رمضان اذا أفطر فيه.

فعلى هذا يقضى ما أفسد فيه فحسب. وعليه الكفارة على الوجهين جميعا لأنه تارك لبعض ما نذره (٣).

[مذهب الظاهرية]

جاء فى المحلى أنه لا يحل للرجل مباشرة المرأة ولا للمرأة مباشرة الرجل فى حال الاعتكاف بشئ من الجسم الا فى ترجيل المرأة للمعتكف خاصة.

فهو مباح. وله اخراج رأسه من المسجد للترجيل. لقول الله تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ} (٤)».

فصح أن من تعمد ما نهى عنه من عموم المباشرة ذاكرا لاعتكافه فلم يعتكف كما أمر. فلا


(١) المغنى والشرح الكبير ج ٣ ص ١٤٣
(٢) المرجع السابق ج ٣ ص ١٤٤، ص ١٤٥
(٣) المغنى والشرح الكبير ج ٣ ص ١٤٥، ص ١٤٦
(٤) الآية رقم ١٨٧ من سورة البقرة.