للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى نحوه عن أبى بكر الصديق وأبى موسى وعبادة وأبى الدرداء رضى الله عنهم.

وروى عن شريك: له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة، ووجه هذا قول من سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم المخالف في عصرهم فيكون إجماعًا، ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل وكذلك هذا.

والرواية الثانية أن العدة تنقضى بمجرد انقطاع الدم قبل الغسل، وهو قول طاوس وسعيد بن جبير والأوزاعى. واختاره أبو الخطاب؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (١) والقرء هي الحيض، وقد زال فيزول التريص، وفيما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "وقرء الأمة حيضتان" (٢). وقال: "دعى الصلاة أيام أقرائك" (٣). يعنى أيام حيضك. ولأن انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج وحلها لغيره فلم يتعلق بفعل اختيارى من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدة، ولأنها لو تركت الغسل اختيارًا أو لجنون أو نحوه لم تحل، إما أن يقال بقول شريك: إنها تبقى معتدة ولو بقيت عشرين سنة، وذلك خلاف قول الله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٤) فإنها تصير عدتها أكثر من مائتى قرء، أو يقال: تتقضى العدة قبل الغسل فيكون رجوعًا عن قولهم، ويحمل قول الصحابة في قولهم: حتى تغتسل، أي يلزمها الغسل.

وإذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدتها من الأول بوطء الثاني. وهل يملك الزوج الأول رجعتها في عدة الحمل؟ يحتمل وجهين: أولاهما: أنه له رجعتها؛ لأنها لم تنقضٍ عدتها، فحكم نكاحها باقٍ يلحقها طلاقه وظهاره، وإنما انقطعت عدته لعارض، فهو كما لو وطُئت في صلب نكاحه، فإنها تحرم عليه وتبقى سائر أحكام الزوجية؛ ولأنها يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها.

والوجه الثاني: ليس له رجعتها؛ لأنها ليست في عدته، فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول، وله ارتجاعها حينئذ وجهًا واحدًا (٥).

[مذهب الظاهرية]

(جاء في المحلى): أن المطلقة طلاقًا رجعيًا هي زوجة للذى طلقها ما لم تنقض عدتها؛ يتوارثان ويلحقها طلاقه وإيلاؤه وظهاره ولعانه إن قذفها، وعليه نفقتها وكسوتها وإسكانها، فإذ هي زوجته، فحلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل أن يطلقها وأن يطأها؛ إذ لم يأت نص بمنعه من شئ من ذلك، وقد سماه الله تعالى بعلًا لها، إذ يقول عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (٦). يقول ابن حزم: فإن وطئها لم يكن بذلك مراجعًا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد ويعلمها بذلك قبل تمام عدتها، فإن راجع ولم يشهد. فليس مراجعًا؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٧)، قرن الله تعالى بين المراجعة والطلاق


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٢٨.
(٢) سنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب في سنة طلاق العبد، وسنن الترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان. وسنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب في طلاق الأمة وعدتها.
(٣) الحديث بهذا اللفظ في مسند أحمد (٢٤٥٠٠) في مسند الأنصار عن عائشة. وأصله في الصحيحين وغيرهما في عدة مواضع، انظر: صحيح البخارى، كتاب الوضوء، باب غسل الدم، وكتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره. وصحيح مسلم، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها.
(٤) سورة البقرة، من الآية: ٢٢٨.
(٥) كشاف القناع: ٣/ ٢٧٠، والمغنى: ٨/ ٤٧٩ - ٤٨٠.
(٦) سورة البقرة، الآية: ٢٢٨.
(٧) سورة الطلاق، الآية: ٢.