للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وسلم من وجه أصلا وأما الذى لا شك فيه فهو أنه لا يوجد فى سند صحيح وانما عرف عن ابن مسعود. ثم قال: وهذا لو أتى من وجه صحيح لما كان فيه متعلق لانه يكون اثبات اجماع المسلمين فقط‍ لانه لم يقل ما رآه بعض المسلمين حسنا: ثم رد على القائلين (١): بأن الاستحسان هو أدق القياسين بقوله: ان كان هاهنا قياس يوجب ترك قياس آخر ويضاده فقد صح بطلان دلالة القياس وثبت بالبرهان الضرورى ابطال القياس كله لان الحق لا يتضاد ولا يبطل بعضه بعضا والا كان كله باطلا.

[أقسام الاستحسان عند القائلين به وسنده]

يقسم الحنفية الاستحسان الى أنواع متعددة يصورها قول النسفى وشارحه والرهاوى فى حاشيته (٢): الاستحسان أنواع يكون بالاثر والاجماع والضرورة والقياس الخفى كالسلم فان القياس يأبى جوازه لعدم المعقود عليه عند العقد وانما كان المعقود عليه معدوما لانه محل العقد والعقد لا ينعقد فى غير محله الا أنا تركناه بالنص وهو قوله عليه السلام من أسلم منكم فليسلم فى كيل معلوم الحديث، الا أنا تركنا القياس بالاثر الموجب للترخيص وهو ما روى أنه عليه السلام. نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص فى السلم، والاستصناع فيما فيه تعامل الناس مثل أن يأمر انسانا بأن يخرز له خفا بكذا ويبين صفته ومقداره ولم يذكر له أجلا والقياس يقتضى ألا يجوز لانه بيع معدوم لكنهم استحسنوا تركه بالاجماع لتعامل الناس فيه، وهنا أجاب عما يتوهم أن الاجماع معارض بالنص وهو قوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» فقال ان النص صار مخصوصا فى حق هذا الحكم بالاجماع. ومثلوا للضرورة بتطهير الاوانى والحياض والابار فان القياس يقتضى عدم تطهيرها اذا تنجست لانه لا يمكن صب الماء عليها حتى تطهر لانه كلما صب عليه الماء تنجس بملاقاة النجس والنجس لا يفيد الطهارة. لكنهم تركوا العمل بالقياس لضرورة عامة الناس، ومثلوا للقياس الخفى بطهارة سؤر سباع الطير فان القياس الظاهر يقتضى نجاسته لان لحمه حرام كسؤر سباع البهائم وفى الاستحسان طاهر لان سباع البهائم ليست بنجس العين ونجاسة سؤرها باعتبار أنها تأكل بلسانها فيختلط‍ لعابها النجس بالماء وسباع الطير تأخذ بمنقارها وهو ليس بنجس من الميت فعظم الحى أولى وقد أوضح الرهاوى هذا المقام فقال أن لحم سباع الطير حرام والسؤر معتبر باللحم فيكون نجسا كسؤر سباع البهائم بجامع السؤر وهذا المعنى ظاهر الاثر لانهما استويا فى نجاسة اللحم لكنهم استحسنوا أن يكون طاهرا مكروها لانها تشرب بمنقارها على سبيل الاخذ والابتلاع من غير مخالطة لعابه وهو عظم جاف طاهر لا رطوبة فيه فلا يتنجس الماء بملاقاته فيكون سؤرها


(١) الاحكام لابن حزم ج‍ ٦ ص ٧٦٠
(٢) المنار ص ٨١٢