للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاذا كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وان كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وان قال الذى يرى منهم ترك القياس: بل على الناس اتباع ما قلت: قيل له من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس اتباعك، أرأيت ان ادعى عليك غيرك هذا أتطيعه أم تقول: لا أطيع الا من أمرت بطاعته؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد. وجاء فى الرسالة للشافعى (١):

أن حراما على أحد أن يقول بالاستحسان اذا خالف الاستحسان الخبر، وفى مقام آخر يقول ان حلال الله وحرامه أولى ألا يقال فيه بالتعسف ولا الاستحسان ابدا انما الاستحسان تلذذ ولا يقول فيه الا عالم بالاخبار عاقل بالتشبيه عليها (٢).

ونقل صاحب المسودة (٣) عن شيخه أنه قال: أطلق أحمد القول بالاستحسان فى مواضع وأورد طائفة منها. ثم ذكر عن اياس بن معاوية أن كتب مالك مشحونة بالاستحسان وذكر بعض الفروع المستحسنة عن الشافعى. ونقل عن أحمد فى رواية أبى طالب ما يشعر بابطال الاستحسان اذ يقول (٤): أصحاب أبى حنيفة اذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا فنحسن هذا وندع القياس فيدعون ما يزعمون أنه الحق بالاستحسان وأنا أذهب الى كل حديث جاء ولا أقيس عليه. قال القاضى هذا يدل على ابطال الاستحسان ولكن أبا الخطاب يقول انه يرى أن أحمد أنكر عليهم القول بالاستحسان من غير دليل ولهذا قال انهم يتركون القياس الذى يزعمون أنه الحق بالاستحسان فلو كان الاستحسان عن دليل ذهبوا اليه ولم ينكره لانه حق.

ويصور ابن حزم (٥)، الاستحسان بأنه الحكم بما رآه الحاكم أصلح فى العاقبة وفى الحال. ونقل عن المالكية القول به فى كثير من مسائلهم وأن الحنفية أكثروا فيه جدا وقال: أنكره الشافعيون والطحاوى من أصحاب أبى حنيفة ثم ساق ما اعتبره دليلا للقائلين بالاستحسان ورد عليهم بكلام كثير من جملته قوله: ومن المحال أن يكون الحق فيما استحسنا دون برهان لانه لو كان كذلك لكان الله يكلفنا ما لا نطيق ولكان يأمرنا بالاختلاف الذى نهانا عنه لانه لا يجوز أصلا أن يتفق استحسان العلماء كلهم على قول واحد على اختلاف هممهم وطبائعهم. ثم قال ونحن نجد الحنفيين قد استحسنوا ما استقبحه المالكيون وبالعكس فبطل أن يكون الحق فى دين الله عز وجل مردودا الى استحسان بعض الناس الى أن يقول: فصح أن الاستحسان شهوة واتباع للهوى وضلال، ثم يرد على من يحتج على صحة الاخذ بالاستحسان بالاثر ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، بأن هذا لا يعلمه اسند الى رسول الله صلى الله


(١) مقدمة الجزء الاول من الام ص ٦٩.
(٢) المرجع السابق ص ٧٠.
(٣) المسودة ص ٤٥١.
(٤) المرجع السابق ص ٤٥٢.
(٥) الأحكام لابن حزم ج‍ ٦ ص ٧٥٧