على رجل ثم على عقبه ثم على الفقراء، فأما إذا وقف وقفًا منقطع الابتداء والانتهاء كما لو وقف على عبده أو على ولده ولا ولد له فالوقف باطل؛ لأن العبد لا يملِك والولد الذي لم يخلق لا يملِك فلا يفيد الوقف عليهما شيئًا، وإن وقف وقفًا متصل الابتداء منقطع الانتهاء بأن وقف على رجل بعينه ولم يزد عليه أو على رجل بعينه ثم على عقبه ولم يزد عليه ففيه قولان أحدهما: أن الوقف باطل، لأن القصد بالوقف أن يتصل الثواب على الدوام وهذا لا يوجد في هذا الوقف؛ لأنه قد يموت الرجل وينقطع عقبه. القول الثاني: أنه يصح ويصرف بعد انقراض الموقوف عليه إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأن مقتضى الوقف الثواب على التأبيد فحمل فيما سماه على ما شرطه وفيما سكت عنه على مقتضاه، ويصير كأنه وقف مؤبد ويقدم المسمى على غيره، فإذا انقرض المسمى صرف إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأنه من أعظم جهات الثواب. وإن وقف وقفًا منقطع الابتداء متصل الانتهاء بأن وقف على عبد ثم على الفقراء أو على رجل غير معين ثم على الفقراء ففيه طريقان، من أصحابنا من قال: يبطل قولًا واحدًا. لأن الأول باطل والثانى فرع لأصل باطل فكان باطلًا. ومنهم من قال فيه قولان أحدهما: أنه باطل لما ذكرناه. والقول الثاني: أنه يصح؛ لأنه لما بطل الأول صار كأن لم يكن وصار الثاني أصلًا، فإذا قلنا: إنه يصح فإن كان الأول لا يمكن اعتبار انقراضه كرجل غير معين صرف إلى من بعده وهم الفقراء؛ لأنه لا يمكن اعتبار انقراضه فسقط حكمه. وإن قال: وقفت على أولادى فإن انقرض أولادى وأولاد أولادى فعلى الفقراء لم يدخل فيه ولد الولد ويكون هذا وقفًا منقطع الوسط فيكون على قولين كالوقف المنقطع الانتهاء، ومن أصحابنا من قال: يدخل فيه أولاد الأولاد بعد انقراض ولد الصلب؛ لأنه لما شرط انقراضهم دل على أنهم يستحقون كولد الصلب. والصحيح هو الأول؛ لأنه لم يشترط شيثًا وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم، وإن وقف مسجدًا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه لم يعد إلى الملك ولم يجز له التصرف فيه؛ لأن ما زال الملك فيه لحق الله تعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال كما لو أعتق عبدًا ثم زَمِنَ، وإن وقف نخلة فجفت أو بهيمة فزمنت أو جذوعًا على مسجد فتكسرت ففيه وجهان - أحدهما لا يجوز بيعه؛ لما ذكرناه في المسجد، والوجه الثاني أنه يجوز بيعه، لأنه لا يرجى منفعته فكان بيعه؛ أولى من تركه بخلاف المسجد فإن المسجد؛ يمكن الصلاة فيه مع خرابه وقد يعمر الموضع فيه (١).
[مذهب الحنابلة]
جاء في (كشاف القناع): أن من وقف شيئًا على أولاده ونحوهم فالأولى أن يذكر في مصرفه جهة تدوم كالفقراء ونحوهم خروجًا من خلاف من قال يبطل الوقف إن لم يذكر في مصرفه جهة تدوم، فإن اقتصر الواقف على ذكر جهة تنقطع كأولاده؛ لأنه بحكم العادة يمكن انقراضهم صح الوقف؛ لأنه معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه، ويصرف وقف منقطع الابتداء كوقفه على من لا يجوز الوقف عليه كعبد ثم على من يجوز كأولاده أو أولاد زيد أو إلى الفقراء من