للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الظاهرية]

جاء في المحلى أن الطالب إن لم يكن له بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها سواء أحب أو كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شئ من الأشياء أصلا ولا ترد اليمين على الطالب البتة ولا ترد يمين أصلا إلا في ثلاثة مواضع فقط وهى القسامة فيمن وجد مقتولا فإنه إن لم تتكن لأوليائه بينة حلف خمسون منهم واستحقوا القصاص أو الدية فإن أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا فإن نكلوا أجبروا على اليمين أبدا، وهذا مكان يحلف فيه الطالبون فإن نكلوا رد على المطلوبين. والموضع الثاني: الوصية في السفر لا يشهد عليها إلا كفار وإن الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتهما، فإن نكلا لم يقض بشهادتهما. فإن قامت بعد ذلك بينة من المسلمين حلف اثنان منهم مع شهادتهما وحكم بها وفسخ ماشهد به الأولان، فإن نكلا بطلت شهادتهما وبقى الحكم الأول كما حكم به فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب. والموضع الثالث: من قام له بدعواه شاهد واحد عدل أو امرأتان عدلتان فيحلف ويقضى له، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ، فإن نكل أجبر على اليمين أبدا فهذا مكان يحلف فيه الطالب، فإن نكل رد على المطلوب. قال أبو محمد: فإذ قد بطل القول بالقضاء بالنكول والقول برد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب لتعرى هذين القولين عن دليل من القرآن أو من السنة وبطل أن يصح في أحدهما قول عن أحد من الصحابة رضى الله تعالى عنهم فالواجب أن نأتى بالبرهان على صحة قولنا. قال أبو محمد: قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبى - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء باليمين على المدعى عليه وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم وما قد روينا من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بينتك أو بمينه ليس لك إلا ذلك فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعى بدعواه دون بينته فبطل بهذا أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى، وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدعى عليه فوجب بذلك أنه لا يعطى المدعى يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها وليس ذلك إلا فى القسامة فى المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط، وكان من أعطى المدعى بنكول خصمه فقط أو بيمينه إذا نكل خصمه قد أخطأ كثيرا وذلك أنه أعطاه ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس له وأعطاه بدعواه المجردة عن البينة وأسقط اليمين عمن أوجبها الله تعالى عليه ولم يزلها عنه إلا أن يسقطها الذي هي له وهو الطالب الذي جعل الله تعالى له البينة فيأخذ أو يمين مطلوبة فإذ هي له فلم ترك حقه إن شاء فظهر صحة قولنا يقينا، وقال الله عز وجل: {ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان} (١)، فمن أطلق للمطلوب الامتناع من اليمين ولم يأخذه بها وقد أوجبها الله سبحانه وتعالى عليه فقد أعانه على الإثم والعدوان وعلى ترك ما افترض الله تعالى عليه إلزامه إياه وأخذه به. وفد ذكرنا في كلامنا في الإمامة قول رسول الله: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع" فوجدنا الممتنع مما أوجب الله عز وجل أخذه به من اليمين قد أتى منكرا بيقين فوجب تغييره باليد بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتغيير باليد هو الضرب فيمن لم يمتنع أو بالسلاح في المدافع بيده الممتنع


(١) المرجع السابق جـ ٤ ص ٢٠١ نفس الطبعة.