للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الإمساك عن تناول المفطرات في رمضان وغير رمضان]

[مذهب الحنفية]

اتفق الحنفية على أن الإمساك - أي الكف والامتناع - عن الأكل والشرب والجماع حقيقة أو حكما هو ركن الصوم الشرعى، لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع في ليالى رمضان بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} أي حتى حتى يتبين لكم ضوء النهار من ظلمة الليل من الفجر ثم أمر بالإمساك عن هذه الأشياء في النهار بقوله عز وجل: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (١) فدل على أن ركن الصوم هو الإمساك فلا يوجد الصوم بدونه (٢).

والإمساك عن المفطرات المذكورة في أول النهار يقع صوما عندهم سواء وجدت فيه النية أو لم توجد، لأن وقت النية إنما يكون وقت وجود ركن الصوم وهو الإمساك وقت الغداء المتعارف، والإمساك في أول النهار شرط وليس بركن. لأن ركن العبادة ما يكون شاقا على البدن مخالفا للعادة وهوى النفس وذلك هو الإمساك وقت الغداء المتعارف فأما الإمساك في أول النهار فمعتاد فلا يكون ركنا بل يكون شرطا. لأنه وسيلة إلى تحقيق معنى الركن إلا أنه لا يعرف كونه وسيلة في الحال لجواز ألا ينوى وقت الركن. فإذا نوى ظهر كونه وسيلة من حين وجوده، والنية تشترط لصيرورة الإمساك الذي هو ركن عبادة لا لما يصير عبادة بطريق الوسيلة (٣).

ويجرى هذا في كل صوم فرضا كان أن نفلا، لأن الصوم لا يتجزأ، ويصير الصائم صائما أول النهار لكن بالنية الموجودة وقت الركن وهو الإمساك وقت الغداء المتعارف. لما ذكرنا أما إذا نوى بعد زوال الشمس فقد خلا بعض الركن عن الشرط فلا يصير صائما شرعا. (٤)

هذا كله فيما إذا كان الصوم عينا لصوم رمضان وصوم التطوع خارج رمضان والمنذور المعين. أما إذا كان الصوم دينا كقضاء رمضان وقضاء ما أفسده من نفل وصوم الكفارات بأنواعها والنذر المطلق فلا بد فيه من تعيين النية وتلبيتها ليلا أو وقت طلوع الفجر لتعتبر وما عن ذلك وإلا كان تطوعا (٥) ويجب الإمساك بقية اليوم تشبها بالصائمين ونفيا للتهمة على كل من كان له عذر في صوم رمضان في أول النهار مانع من الوجوب أو قبيح للفطر ثم زال عذره في أثناء النهار وصار بحال لو كان عليه في أول النهار لوجب عليه الصوم ولا يباح له الفطر، وذلك كالحائض والنفساء يطهران بعد طلوع الفجر أو معه.

وكذلك يجب الإمساك على الصبى إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا برأ من مرضه في خلال نهار رمضان. كما يجب الإمساك على


(١) الآية رقم ١٨٧ من سورة البقرة.
(٢) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى جـ ٢ ص ٩ الطبعة الأولى مطبعة شركة المطبوعات العلمية سنة ١٣٢٧ هـ.
(٣) المرجع السابق ص ٨٦.
(٤) المرجع السابق ص ٨٥.
(٥) مراقى الفلاح وحاشية الطحطاوى ص ٣٧٦ الطبعة الثانية.