للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أخذه بالحق، فوجب ضربه أبدا حتى يجيبه الحق من إقراره أو يميته أو يقتله الحق من تغيير ما أعلن به من المنكر ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ومن أطاع الله تعالى فقد أحسن، وأما السجن فلا يختلف اثنان في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له قط سجن، وقد لاح بما ذكرنا أن قولنا ثابت عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كما أوردنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله تعالى عنهم خلافه (١).

[مذهب الزيدية]

جاء في البحر الزخار أن القاضي إذا حضر إليه الخصمان سكت حتى يتكلم المدعى أو قال هو أو أعوانه: يتكلم المدعى، لا تتكلم يا فلان، تحريا للتسوية، وسكت الخصم حتى تتم الدعوى أو يأمر بإعادة الدعوى الفاسدة لتصح الشهادة عليها ويأمر الخصم بالإجابة. قال الإِمام يحيى: وإن لم يطلبها المدعى، وقيل لا، حتى يطلبها. قلنا إيراده الدعوى كالطلب، فإن أجاب بالإِقرار لم يحكم به حتى يطلبه المدعى إذ هو حق له فلا يفعله إلا بأمره، قال يحيى: بل يأمره بالخروج إذ الدعوى قرينة الطلب، وإن أنكر طلب من المدعى التثبيت لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمى حين أنكر خصمه الكندى: ألك بينة؟ وله أن يسكت ولا يطلب يمين المنكر إلا بعد طلب المدعى إذ هي حقه فلا تستوفى إلا بإذنه، فإن حلف بغير إذنه فله استعادتها إذ لم تقع موقعها، وتسقط بالإبراء منها، وليس لمن عدم البينة إلا اليمين، وإن كان الحالف كافرا، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لك إلا يمينه" ولا يسأل المنكر عن سبب امتناعه من اليمين إن ردها، وليس له الرجوع إليها بعد ردها إذ قد أسقط حقه منها وصارت حقا للمدعى، فإن امتنع المدعى سئل عن سبب امتناعه إذ لا ينتقل إلى أحد فلا إضرار، بخلاف يمين المنكر فإنها تنتقل إلى المدعى بالامتناع، ففى السؤال إضرار به. وفى كون المردودة كالبينة أو كالإِقرار وجهان: قال الإِمام يحيى: أصحهما كالإِقرار إذ تثبت بالنكول. قلت: وقد مر له خلافه. ويقدم طلب البينة على يمين المنكر إذ قدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "ألك بينة"، ولقوتها إذ هي قول اثنين واليمين قول واحد (٢)، وتجب اليمين في النكاح والطلاق والعتق والنسب وحد القذف، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا تجب إلا في الأموال. قلنا: لم يفصل الدليل، ولتحليفه - صلى الله عليه وسلم - ركانة في الطلاق. وإذا ادعى المنكر أته قد حلف مرة حلف خصمه أنه ما حلفه، فإن رد اليمين لم يصح لتأديته إلى الترداد، إذ يمكن دعواه أنه قد حلفه يمين الرد ثم كذلك، وإذا ادعى لميت حق لم يكن للمنكر رد اليمين إذ لا تصح النيابة في اليمين فيحبس حتى يقر أو يحلف أو يحكم عليه بالنكول، وكذا لو ادعى الولى للصبى حقا لم يرد عليه اليمين فيحكم


(١) المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى جـ ٩ ص ٣٧٢ وما بعدها إلى ص ٣٨٣ مسألة رقم ١٧٨٣ الطبعة الأولى بتحقيق محمد منير الدمشقى طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥١ هـ.
(٢) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ ٥ ص ١٣١، ص ١٣٢ الطبعة الأولى طبع بإشراف ومراجعة الشيخ عبد الله محمد الصديق والشيخ عبد الحفيظ سعد عطية طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة ١٣٦٨ هـ سنة ١٩٤٩ م.