للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألم يفكر هؤلاء العباقرة أنهم بنشر هذه الأفكار المسمومة وإذاعة هذه الآراء الخطيرة يقدمون لأسرى الثقافة الغربية والمفتونين بآراء وأفكار خصوم الدين حجة يستندون إليها في المطالبة الصريحة بتنحية الدين عن شئون الحياة ومجال الحكم والفصل بين الدين والدولة كما فعل المسيحيون في عهد الدولة الرومانية حينما سيطرت الكنيسة على شئون الدولة وسارت في سياستها سيرًا لا يتفق مع ما وصلت إليه النظريات العلمية الحديثة وقام رجال الدولة ينازعونها وانتهى الأمر بفصل الدين عن الدولة - وكما حاولت بعض الأحزاب السياسية في تركيا في أواخر عهد الخلافة وإنحطاط شأنها ..

بم تنعقد الإِمامة؟!

جاء في شرح المقاصد للعلامة سعد الدين التفتازانى (١) في كلامه على ثبوت الإمامة: "اتفقت الأمة على أن الرجل لا يصير إماما بمجرد صلاحيته للإمامة واجتماع الشرائط المعتبرة شرعا فيه .. بل لابد من أمر آخر به تنعقد الإِمامة .. وهى طرق:

منها متفق عليه ومنها مختلف فيه .. فالمختلف فيه المردود ..

والدعوة بأن يقوم من الناس من هو أهل للإمامة ومستجمع لشروطها ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى اتباعه والانقياد لإِمامته ..

قال به غير طائفة الصالحية من الزيدية ذاهبين إلى أن كل فاطمى نسل فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنها - خرج شاهرا لسيفه داعيا إلى ربه - فهو إمام ولم يوافقهم على ذلك إلا الجبائى ..

والمختلف فيه المقبول عندنا وعند المعتزلة والخوارج والصالحية من الزيدية خلافا للشيعة هو اختيار أهل الحل والعقد وبيعتهم من غير أن يشترط إجماعهم واتفاق جميعهم في البلاد الإسلامية على ذلك. ولا عدد محدود منهم بل تتم البيعة وتنعقد الإمامة ولو بعقد واحد منهم ..

ولهذا لم يتوقف أبو بكر - رضى الله عنه - بعد أن بايعه من في السقيفة من المهاجرين والأنصار إلى انتشار أخبار البيعة في الأقطار الإِسلامية ليجتمع عليها أهل الحل والعقد. بل اعتبر البيعة قد تمت والإمامة قد انعقدت وباشر الأعمال لم ينكر عليه أحد.

وقال عمر لأبى عبيدة - رضى الله عنهما -: أبسط يدك أبايعك .. فقال أبو عبيدة: القول هذا وأبو بكر حاضر؟ فبايع أبا بكر.

وهذا مذهب الأشعرى إلا أنه يشترط أن يكون العقد بمشهد من الشهود لئلا يدعى آخر أنه عقد عقدًا آخر سرًا متقدما على هذا العقد.

وذهب أكثر المعتزلة إلى اشتراط عدد خمسة ممن يصلحون لإِمامة أخذا من حادثة الشورى التي وقعت في عهد عمر إذ عهد إلى ستة لاختيار واحد منهم بحضور الخمسة الباقين.

لنا على كون الاختيار والبيعة طريقا لإنعقاد الإِمامة .. أن الطريق .. إما النص وإما الاختيار ..

والنص منتف في حق أبى بكر - رضى الله عنه - مع كونه إمامًا بالإِجماع فكانت إمامته بالاختيار ..


(١) شرح المقاصد للعلامة سعد الدين التفتازانى جـ ٢ ص ٢٨٤.