للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن كان بتفريط منه أو إسراف بأن أجج نارًا تسرى في العادة لكثرته، أو في ريح شديدة تحملها، أو فتح ماء كثير يتعدى. أو فتح الماء في أرض غيره، أو أوقد فى دار غيره، ضمن ما تلف به، وإن سرى إلى غير الدار التي أوقد فيها والأرض التي فتح الماء فيها؛ لأنها سراية عدوان أشبهت سراية الجرح الذي تعدى به ولذلك إن يبست النار أغصان شجر غيره يضمن؛ لأن ذلك؛ لا يكون إلا من نار كثيرة إلا أن تكون الأغصان فى هوائه فلا يضمن؛ لأن دخولها إليه غير مستحق فلا يمنع من التصرف في داره لحرمتها (١).

رابعًا: انفلات المائع:

جاء في (المغنى): أنه لو حَلَّ زِقًا فيه مائع فاندفق ضمنه سواء خرج في الحال أو خرج قليلًا قليلًا أو خرج منه شئ بَلَّ أسفله فسقط أو ثقل أحد جانبيه، فلم يزل يميل قليلًا قليلًا حتى سقط أو سقط بريح أو بزلزلة الأرض، أو كان جامدًا فذاب بشمس؛ لأنه تلف بسبب فعله، وقال القاضي أبو يعلى: لا يضمن إذا سقط بريح أو زلزلة، ويضمن فيما سوى ذلك؛ لأن فعله سبب تلفه، ولم يتخلل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه فوجب عليه الضمان، كما لو خرج عقيب فعله أو مال قليلًا قليلًا. وكما لو جرح إنسانًا فأصابه الحر أو البرد فسرت الجناية فإنه يضمن (٢).

خامسًا: انفلات الصبى من أمه:

جاء في (كشاف القناع): أنه إذا قال الرجل لزوجته: إن تركتِ هذا الصبى يخرج فأنت طالق، فانفلت الصبى بغير اختيارها، فخرج الصبى، فإن كان الحالف نوى أن لا يخرج الصبى حنث الحالف بخروجه، وإن نوى أن لا تدعه أي تتركه لم يحنث نصًا؛ لأنها لم تتركه، وإن لم تعلم نية الحالف انصرفت يمينه إلى فعلها فلا يحنث إلا إذا خرج الصبى بتفريطها في حفظه أو خرج باختيارها؛ لأن ذلك مقتضى لفظه فلا يعدل عنه إلا لمعارض ولم يتحقق. لكن إن كان لليمين سبب هيجها حملت عليها (٣).

[مذهب الظاهرية]

أولًا: انفلات الدابة ونحوها:

جاء في (المحلى): أنه لا ضمان على صاحب البهيمة فيما جنته فى مال أو دم ليلا أو نهارا. لكن يؤمر صاحبه بضبطه. فإن ضبطه فذاك، وإن عاد ولم يضبطه بيع عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "العجماء جرحها جبار" (٤) ولقوله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (٥) ومن البر والتقوى حفظ الزروع والثمار التي هي أموال الناس فلا يعان على فسادها فإبعاد ما يفسدها فرض، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالبيع المباح (٦)، ثم قال: والقول عندنا في هذا كله هو ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت عنه من أن العجماء جرحها جبار وعملها جبار، فلا ضمان فيما أفسده الحيوان من دم أو مال لا ليلا ولا نهارا، فإن أتى بها وحملها على شئ وأطلقها فيه ضمن حينئذ؛ لأنه فعْلُه. ليلا كان أو نهارا (٧).


(١) الشرح الكبير: ٥/ ٤٤٦.
(٢) المغنى: ٥/ ٤٥١ وما بعدها.
(٣) كشاف القناع: ٢/ ١٧١ وما بعدها.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) سورة المائدة الآية: ٢.
(٦) المحلى: ٨/ ١٤٦.
(٧) المحلى: ١١/ ٤. وما بعدها.