للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإنكار في الشهادة]

[مذهب الحنفية]

جاء في (تبيين الحقائق) عند الكلام على حكم الشهادة: أن شهادة الفرع تبطل بإنكار الأصل للإشهاد، ومعناه إذا قال شهود الأصل: لم نعرفهم ولم تُشهدهم على شهادتنا فماتوا أو غابوا، ثم جاء الفروع وشهدوا عند الحاكم لم تقبل شهادتهم؛ لأن التحميل شرط ولم يثبت للتعارض بين خبر الأصول وخبر الفروع؛ لأن الأصول يحتمل أن يكونوا صادقين بذلك فلا يثبت التحميل مع الاحتمال، ونقل الشلبى في حاشيته عن (الهداية) أنه لو أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفروع، قال الكمال: لأن إنكارهما الشهادة إنكار للتحميل وهو شرط في القبول. فوقع في التحميل تعارض خبرهما بوقوعه وخبر الأصول بعدمه. ولا ثبوت مع لتعارض (١).

[مذهب المالكية]

جاء في (التاج والإكليل): من العتبية: قال ابن القاسم في شاهدين نقلا شهادة رجل ثم قدم فأنكر أن يكون أشهدهما أو عنده في ذلك علم وقد حكم بها، قال مالك: يفسخ، وفى سماع عبد الحكم: ماضٍ ولا غرم عليهما، ولا يقبل تكذيبه لهما، قال ابن يونس: وهذا أصوب؛ قال: ولو قدم قبل الحكم وقال ذلك سقطت الشهادة، وذلك كالرجوع عن الشهادة (٢).

وجاء في (موضع آخر): قال ابن القاسم وأشهب: إن شهد شاهدان على رجل بحق ثم قالا قبل الحكم: بل هو هذا الآخر وقد وهمنا؛ لم يقبلا في الأولى ولا في الآخرة. ومن (المدونة): لو شهد شاهدان على رجل بالسرقة ثم قالا قبل القطع: وهمنا؛ بل هو هذا الآخر لم يقطع واحد منهما، وقد خرجا من حد العدالة بإقرارهم أنهم شهدوا على الشك والوهم، قال سحنون: إذا رجع الشهداء قبل الحكم وقد شهدوا بحق أو واحد منهم فإنهم يقالون ولا شئ عليهم ولا عقاب (٣).

[مذهب الشافعية]

جاء في (تحفة المحتاج): وإن ادُّعى على القاضي أو الشاهد أنه حكم أو شهد له وأنكر لم يرفعه لقاضٍ: ولم يحلفه كمن أنكر الشهادة (٤).

[مذهب الحنابلة]

جاء في (المغنى): أن العدل إذا أنكر أن تكون عنده شهادة ثم شهد بها وقال: كنت أنسيتها قبلت ولم ترد شهادته وبهذا قال الثورى وإسحاق، ولا أعلم فيه مخالفًا؛ وذلك لأنه يجوز أن يكون نسيها. وإذا كان ناسيًا لها فلا شهادة عنده فلا نكذبه مع إمكان صدقه، ولا يشبه هذا إذا قال: لا بينة لى؛ ثم أتى ببينة حيث لا تسمع؛ فإن ذلك إقرار منه على نفسه بعدم البينة، والإنسان يؤاخذ بإقراره، وقول الشاهد: لا شهادة عندى ليس بإقرار، فإن الشهادة ليست له إنما هي حق عليه فيكون منكرًا لها، فإذا اعترف بها كان إقرارًا بعد الإنكار وهو مسموع، بخلاف الإنكار بعد الإنكار، ولأن الناسى للشهادة لا شهادة له عنده فهو صادق في إنكاره، فإذا ذكرها صارت عنده فلا تنافى بين القولين. وصار هذا كمن أنكر أن يكون عنده شهادة قبل أن يستشهد ثم استشهد بعد ذلك فصارت عنده؛ بخلاف من


(١) تبيين الحقائق: ٤/ ٢٤٠، ٢٥١.
(٢) التاج والإكليل: ٦/ ١٩٢.
(٣) السابق: ٦/ ١٩٩ - ٢٠٠.
(٤) تحفة المحتاج: ١٠/ ١٢٩.