للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحريم الربا فان لم يقدر المضطر على قهره دخل معه فى العقد صورة وعزم على أن لا يتم عقد الربا فان لم يجد المضطر الا آدميا محقون الدم لم يبح له قتله ولا اتلاف عضو منه مسلما كان المحقون أو كافرا ذميا كان أو مستأمنا لأن المعصوم الحى مثل المضطر فلا يجوز له ابقاء نفسه باتلاف مثله، وان وجد المضطر آدميا معصوما ميتا لم يبح أكله لأنه كالحى فى الحرمة لقول النبى صلّى الله عليه وسلّم: كسر عظم الميت ككسر عظم الحى (١).

[مذهب الظاهرية]

جاء فى المحلى أن كل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم أو لحم سبع أو طائر أو ذى أربع أو حشرة أو خمر، أو غير ذلك فهو كله حلال عند الضرورة، حاشا لحوم بنى آدم وما يقتل من تناوله فلا يحل من ذلك شئ أصلا لا بضرورة ولا بغيرها. فمن اضطر الى شئ مما ذكرنا قبل ولم يجد مال مسلم أو ذمى فله أن يأكل حتى يشبع وله أن يتزود حتى يجد حلالا، فاذا وجده عاد الحلال من ذلك حراما كما كان عند ارتفاع الضرورة وحد الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيها ما يأكل أو ما يشرب فان خشى الضعف المؤذى الذى ان تمادى أدى الى الموت أو قطع به عن طريقه وشغله حل له الأكل والشرب فيما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع أو العطش وكل ما ذكرنا سواء لا فضل لبعضها على بعض أن وجد منها نوعين أو أنواعا فيأكل ما شاء منها فلا معنى للتذكية فيها.

أما تحليل كل ذلك للضرورة فلقول الله تبارك وتعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» (٢) فأسقط‍ تعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة فعم ولم يخص فلا يجوز تخصيص شئ من ذلك.

وأما استثناء لحوم بنى آدم فللأمر بمواراتها فلا يحل غير ذلك وأما ما يقتل فانما أبيحت المحرمات خوف الموت أو الضرر فاستعجال الموت لا يحل لقول الله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (٣) وأما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل فلتحريم النبى صلّى الله عليه وسلّم الوصال يوما وليلة (٤).

ولا يحل شئ مما ذكرنا لمن كان فى طريق بغى على المسلمين أو ممتنعا


(١) كشاف القناع عن متن الاقناع ج ٤ ص ١١٦ وما بعدها الى ص ١١٨ الطبعة المتقدمة.
(٢) الآية رقم ١١٩ من سورة الأنعام.
(٣) الآية رقم ٢٩ من سورة المائدة.
(٤) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ٧ ص ٤٢٦ وص ٤٢٧ مسألة رقم ١٠٢٥ نفس الطبعة المتقدمة.