للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاقتضاء وموقوتة بالنسبة إلى الوجوب والندب إلا أنها محتملة للإباحة والإذن في الفعل.

فإذا وردت بعد الحظر احتمل أن تكون مصروفة إلى الإباحة ورفع الحجر كما في قوله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (١) {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} (٢) وقوله - صلى الله عليه وسلم - "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى فادخروا" واحتمل أن تكون مصروفة إلى الوجوب كما لو قيل للحائض والنفساء: إذا زال عنك المانع فصلى وصومى.

وعند هذا فإما أن يقال بتساوى الاحتمالين أو بترجيح أحدهما على الآخر فإن قيل بالتساوى امتنع الجزم بأحدهما ووجب التوقف وإن قيل بالترجيح وامتناع التعارض من كل وجه فليس اختصاص الوجوب أولى من الإباحة إلا أن يقوم الدليل على التخصيص. والأصل عدمه. وعلى هذا أيضًا فيجب التوقف. كيف وأن احتمال الحمل على الإباحة أرجح نظرا إلى غلبة ورود مثل ذلك للإباحة دون الوجوب. وعلى كل تقدير فيمتتع الصرف إلى الوجوب.

[٣ - البيضاوى والإسنوى]

يصور كل من البيضاوى وشارحه الإسنوى هذا المقام بما يوضحه قول الإسنوى (٣) إن القائلين إن الأمر للوجوب إذا ورد بعد التحريم ففيه عندهم مذهبان أصحهما عند الإمام الرازى وأتباعه ومنهم البيضاوى أن الأمر يكون أيضًا للوجوب ونقله ابن برهان في الوجيز عن القاضي والآمدى عن المعتزلة.

والثانى أن يكون للإباحة وهو الذي نص عليه الشافعي كما نقله ابن برهان في الوجيز عن أكثر الفقهاء والمتكلمين ورجحه ابن الحاجب وتوقف إمام الحرمين.

واستدل البيضاوى للقائلين بالوجوب بأن الأمر يفيده إذ التفريع عليه ووروده بعد الحرمة ليس معارضًا حتى يدفع ما ثبت له لأن الوجوب والإباحة منافيان للتحريم ومع ذلك لا يمتنع الانتقال من التحريم إلى الإباحة فكذلك الوجوب.

ثم قال الإسنوى: احتج الخصم بورودها للإباحة كقوله سبحان {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وأورد عددًا من الأمثلة المشابهة ثم قال:

وجوابه أن هذه الأدلة معارضة بقوله {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (٤) فإن القتال فرض كفاية بعد أن كان حراما وكذلك قوله عليه السلام "فإذا أدبرت الحيضة فاغسلى عنك الدم وصلى" فإذا تعارضا تساقطا وبقى دليلنا سالما عن المنع فيفيد الوجوب.

ثانيًا: رأى الحنفية:

[١ - البزدوى والبخارى]

يقول البزدوى: (٥) إن الأمر بعد الحظر عند الحنفية للإيجاب إلا بدليل استدلالا بأصله وصيغته. ومنهم من قال بالندب والإباحة لقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} لكن ذلك عندنا بقوله تعالى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} (٦) لا بصيغة الأمر.


(١) آية ٢ سورة المائدة.
(٢) آية ١٠ سورة الجمعة.
(٣) شرح نهاية السول جـ ١ ص ٢٦٨.
(٤) آية ٥ سورة التوبة.
(٥) كشف الأسرار جـ ١ ص ١٢٠.
(٦) آية ٤ سورة المائدة.