للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاقلة الصبى، لأنه متلف للرجل بدابته حين أوطأ إياه ولا شئ على عاقلة الذي حمله عليها؛ لأنه أحدث السير باختياره، وإن كان الصبى ممن لا يسير على الدابة لصغره ولا يستمسك عليها قدم القتيل هدر؛ لأن هذه الدابة بمنزلة المنفلتة فإنها سارت من غير أن يسيرها أحد، والدابة المنفلتة إذا وطأت إنسانا قدمه هدر وهذا الذي حمل الصبى على الدابة لم يسيرها فلا يكون هو قائدًا للدابة ولا سائقًا، والصبى الذي لا يستمسك على الدابة بمنزلة متاع موضوع عليها، فلا يكون هو مسيرًا للدابة بخلاف ما إذا كان يستمسك عليها (١).

ومن وجد في زرعه في الليل ثورين وظن أنهما لأهل قريته، فإن كانا لغير أهل القرية فأراد أن يدخلهما مربطته فدخل في المربط أحدُهما وفر الآخر فتبعه فلم يقدر عليه. وجاء صاحب الثور فأراد تضمينه، قال محمد بن الفضل: إن كانت نيته عند الأخذ أن يمنعه من صاحبه كان ضامنًا، وإن كانت نيته أن يأخذه ليرده على صاحبه إلا أنه لم يقدر على الإشهاد ولم يجد من يشهد لا يكون ضامنًا، كذا في (فتاوى قاضيخان) فقيل لابن الفضل: أرأيت إن كان هذا نهارًا؟ فقال: إن كان الثور لغير أهل قريته كان حكمه حكم اللقطة إن ترك الإشهاد مع القدرة، وعليه أن يأخذه أو يحبسه في مربطه ليرده على صاحبه، ضمن. وإن لم يجد من يشهد كان ذلك عذرًا له. وإن كان الثور لأهل قريته وأخرجه من زرعه ولم يزد على ذلك لم يضمن إذا ضاع الثور، وإن ساقه بعد ما أخرجه من زرعه ضمن. كذا في (الذخيرة) (٢).

وفى (تبيين الحقائق): أن من أرسل طيرًا أو كلبًا ولم يك سائقًا له أو انفلتت دابة فأصابت مالا أو آدميا نهارا أو ليلا فلا يضمن (٣).

ثانيًا: انفلات النار:

جاء في (الفتاوى الهندية): أنه لو أحرق رجل كلأ أو حصائد فى أرضه، فذهبت النار يمينا وشمالا وأحرقت شيئا لغيره لم يضمنه؛ لأنه غير متعدٍ في هذا التسبيب. فإن له أن يوقدَ النار في ملك نفسه مطلقًا وتصرف المالك في ملكه لا يتقيد بشرط السلامة، وقال بعضهم: هذا إذا كانت الرياح هادئة حين أوقد النار، فأما إذا أوقد النار في يوم ريح على وجه يعلم أن الريح تذهب بالنار إلى ملك غيره فإنه يكون ضامنًا بمنزلة ما لو أوقد النار في ملك غيره، ألا ترى أن من صب في ميزابه مائعًا وهو يعلم أن تحت الميزاب إنسانًا جالسًا فأفسد ذلك المائع ثيابه، كان الذي صبه ضامنًا وإن كان صبه في ملك نفسه. كذا في المبسوط (٤).

ومن وضع في الطريق جمرًا فاحترق به شئ كان ضامنًا، وإن حركته الريح فذهب به إلى موضع آخر ثم أحترق به شئ لا يكون ضامنًا، كذا في (فتاوى قاضيخان) ومنهم من قال: هذا إذا حركت الريح عينها عن موضعها، فأما إذا ذهبت الريح بشرارها فأحرقت شيئًا فإن الضمان يجب عليه في ذلك أيضًا، وكان السرخسى يقول: إذا كان اليوم يوم ريح فهو ضامن وإن ذهبت الريح بعينها. والحداد إذا أخرج الحديد من الكير وذلك في حانوته


(١) المبسوط: ٢٦/ ١٨٧.
(٢) الفتاوى الهندية: ٦/ ٥٣.
(٣) المرجع السابق: ٦/ ٤٢.
(٤) السابق: ٥/ ٤١٨.