وقال عبد الحكيم السيالكوتى في حاشيته على الشرح المذكور: جعلته عراضة لحضرة من خصه الله تعالى بالسلطة الأبدية وأيده بالدولة السرمدية .. فروج الملة الحنيفية البيضاء ومؤسس قواعد الشريعة الغراء .. ظل الله في الأرضين .. غياث الإِسلام والمسلمين .. عامر بلاد الله .. خليفة رسول الله .. المؤيد بالتأييد والنصر الربانى".
وجملة القول أن استمداد الخليفة لسلطانه من الله تعالى مذهب جار على الألسنة فأسن بين المسلمين ..
[المذهب الثاني]
وهناك مذهب ثان قد نزع إليه بعض العلماء وتحدثوا به .. ذلك هو أن الخليفة يستمد سلطانه من الأمة فهى مصدر قوته وهى التي تختاره لهذا المقام .. وقد وجدنا ذلك المذهب في كلام العلامة الكاسانى في كتابه البدائع وساق المؤلف عبارة الكاسانى التي نقلناها فيما سبق.
ومن أوفى ما وجدنا في بيان هذا المذهب والانتصار له .. رسالة الخلافة وسلطة الأمة التي نشرتها حكومة المجلس الكبير الوطنى بأنقرة ونقلها من التركية إلى العربية عبد الغنى سنى بك وطبعها بمطبعة الهلال بمصر سنة ١٣٤٢ هـ - ١٩٢٤ م.
ومثل هذا الخلاف بين المسلمين في مصدر سلطان الخليفة قد ظهر بين الأوربيين وكان له - أثر فعلى كبير في تطور التاريخ الأوربى ويكاد المذهب الأول يكون موافقا لما اشتهر به الفيلسوف (هُبْز) من أن سلطان الملوك مقدس وحقهم سماوى. وأما المذهب الثاني فهو يشبه أن يكون نفس المذهب الذي اشتهر به الفليسوف (لُكْ) .. هذا كلام صاحب الإِسلام وأصول الحكم ..
ويتضح من هذا أن الأستاذ على عبد الرازق يقرر أن للمسليمن مذهبين في استمداد الخليفة سلطته .. هل يستمدها من الله تعالى .. وهذا رأى ..
يقول الأستاذ: نجد روحه سارية بمن عامة - العلماء وعامة المسلمين أيضا .. وكل كلماتهم عن الخلافة ومباحثهم فيها تنحو ذلك النحو وتشير إلى هذه العقيدة ..
وهذا صريح في أن مؤلفات العلماء من الفقهاء والمتكلمين ومباحثهم في أمر الخلافة وموضوعها تتضمن هذا الرأى وتشير إلى تلك العقيدة .. والمطلع على المؤلفات والمباحث التي عملت في موضوع الخلافة .. والباحث في ذلك لا يجد فيها مطلقا كلمة تنبئ ولو بطريق التلويح أو الإشارة بأن سلطان الخليفة مستمد من سلطان الله وأن قوته من قوته ..
وقصارى ما يؤخذ ويستنتج من كلامهم عنها وبحثهم فيها .. إن الله تعالى أوجب على الناس إقامة إمام وأن ولاية هذا الإِمام تنعقد إما بمبايعة أهل الحل والعقد .. وإما بعهد من الخليفة قبله وأن الخليفة مقيد في تصرفاته في شئون المسلمين وتدبير أمورهم ومصالحهم بأحكام الدين ومبادئ الشريعة .. وأنه إن حاد عن طريق الدين وسعى في سياسته بالفساد كان للأمة انتزاع زمام الأمر من يده ووضعه في يد من هو أشد حزما وأقوم سبيلا ..
وأما ما ورد على ألسنة بعض المؤلفين والباحثين من أن الخليفة ظل الله في الأرض وحمى الله في البلاد .. فقد روى في هذا المعنى وبهذه الألفاظ حديث نبوى:" السلطان ظل الله في الأرض" وينسب إلى الإِمام العظيم عمر بن الخطاب أنه علا سعد بن أبى وقاص بالدرة .. وقال له:" لم تهب سلطان الله في