للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أقرب الوجوه عندهم الى أنه المقصود الشرعى والفطر والأنظار تختلف فوقع الاختلاف من هنا، فلو فرض أن الصحابة لم ينظروا فى المشتبهات الفرعية ولم يتكلموا فيها وهم القدوة فى فهم الشريعة والجرى على مقاصدها لم يكن لمن بعدهم أن يفتح ذلك الباب للأدلة الدالة على ذم الاختلاف، وأن الشريعة لا اختلاف فيها، ومواضع الاشتباه مظان الاختلاف فى اصابة الحق فيها، فكان المجال يضيق على من بعد الصحابة فلما اجتهدوا ونشأ من اجتهادهم فى تحرى الصواب الاختلاف سهل على من بعدهم سلوك الطريق، قال القاضى اسماعيل: انما التوسعة فى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة فى اجتهاد الرأى، واختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا (١)

وقال القاسم بن محمد: لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم الا رأى أنه فى سعة، ورأى أن خيرا منه قد عمله، وعنه أيضا: أى ذلك أخذت به لم يكن فى نفسك منه شئ ومثل معناه مروى عن عمر بن عبد العزيز قال: ما يسرنى أن لى باختلافهم حمر النعم، قال القاسم:

لقد أعجبنى قول عمر بن عبد العزيز، ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كان قولا واحدا، كان الناس فى ضيق وانهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان فى سعة، وقال بمثل ذلك جماعة من العلماء (٢).

وقال ابن حزم الظاهرى بعد أن ذم الاختلاف الذى هو عنده ترك التعلق بحبل الله تعالى الذى هو القرآن وكلام النبى صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص اليه وقيام الحجة به عليه، فان قال قائل ان الصحابة قد اختلفوا، وأفاضل الناس أفيلحقهم الذم.

قيل له كلا ما يلحق أولئك شئ من هذا، لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله ووجهة الحق فالمخطئ منهم مأجور أجرا واحدا لنيته الجميلة فى ارادة الخير، وقد رفع عنهم الاثم فى خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه، ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين وهكذا كل مسلم فيما خفى عليه من الدين ولم يبلغه (٣).

[أسباب الاختلاف]

الكثير من الأحكام جاءت فى مصادر الشريعة مجملة تحتاج فى فهمها واستنباط‍ الأحكام منها الى شئ من الفكر والتأمل، والعقل البشرى يختلف فى طاقته وقوته، ويتبع ذلك تفاوت الفقهاء فى فهم أسرار الشريعة وعللها وكان من أهم أسباب اختلاف الفقهاء ما لخصه الشاطبى فى كتاب ابن السيد فى أسباب الاختلاف. الواقع بين جملة الشريعة وحصرها فى ثمانية «أسباب».

أحدها الاشتراك الواقع فى الالفاظ‍ واحتمالها


(١) الموافقات فى أصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ح‍ ٤ ص ١٣٠ طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
(٢) الموافقات فى أصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ج‍ ٤ ص ١٢٥ الطبعة السابقة.
(٣) الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم الاندلسى الظاهرى ح‍ ٥ من ص ٦٤ الى ص ٦٨ الطبعة الاولى سنة ١٣٤٥ هـ‍ مطبعة السعادة بمصر.