للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمل ترغب فيه، وهو الرغبة فى آثار العقد من ترتب الحكم الشرعى عليه عند وجوده وانشائه، ويتضح من هذا أن الرضا دائما يشمل الاختيار دون العكس فقد يوجد الاختيار دون الرضا كعقد الهازل والمكره فكلاهما تحقق معه الاختيار دون الرضا لأن وجود الهزل ينافى الرضا بالحكم كما يقول البزدوى (١) ويقول صاحب الهداية عن المكره: انه عرف الشرين واختار أهونهما (٢) وقد ترتب على التفرقة بين الرضا والاختيار عند الحنفية وجود قسم من العقود لم يوجد عند غيرهم وهو العقد الفاسد فاذا تحقق الاختيار دون الرضا انعقد العقد فاسدا عندهم، وينقلب صحيحا اذا تحقق الرضا فى الوقت المناسب واذا لم يتحقق شئ من الرضا والاختيار كان العقد باطلا أما اذا تحقق الرضا وهذا يستتبع تحقق الاختيار حتما فان العقد يكون صحيحا (٣).

[الاختيار بين الرخصة والعزيمة]

جاء فى الموافقات أن لفظ‍ التخيير مفهوم منه قصد الشارع الى تقرير الاذن فى طرفى الفعل والترك وأنهما على سواء فى قصد الشارع، ثم قال: وان قلنا الرخصة مخير فيها حقيقة لزم أن تكون مع مقتضى العزيمة من الواجب المخير، واذا فرعنا على أن الرخصة مباحة بمعنى التخيير بينها وبين العزيمة صارت العزيمة معها من الواجب المخير أيضا اذ صار هذا المترخص يقال له: ان شئت فافعل العزيمة وان شئت فاعمل بمقتضى الرخصة وما عمل منهما فهو الذى وقع واجبا فى حقه وحيث قيل بالتخيير بين الأخذ بالعزيمة والأخذ بالرخصة فللترجيح بينهما مجال رحب وهو محل نظر وعندئذ يكون للمكلف حق الاختيار بينهما يختار أيهما رآه خيرا (٤)، «انظر عزيمة، ورخصة».

وقد طبق الفقهاء مبدأ الرخصة بمعنى التخيير بين الفعل والترك فجاء فى المهذب الشافعى (٥) بالنسبة للفطر فى السفر: ان كان السفر أربعة فله أى للمسافر حق الاختيار فى أن يصوم وأن يفطر لما روت عائشة رضى الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمى قال يا رسول الله أصوم فى السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان شئت فصم وان شئت فافطر، فان كان ممن لا يجهده الصوم فى السفر فالأفضل أن يصوم لما روى عن أنس رضى الله تعالى عنه أنه قال للصائم فى السفر: ان أفطرت فرخصة وان صمت فهو أفضل، وبالنسبة للصلاة قال الشافعية اذا كان السفر مسيرة ثلاثة أيام فالقصر أفضل من الاتمام لما روى عمران بن الحصين قال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلى ركعتين ركعتين وسافرت مع أبى بكر رضى الله تعالى عنه فكان يصلى ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عمر رضى الله تعالى عنه فكان يصلى ركعتين حتى ذهب وسافرت مع عثمان رضى الله تعالى عنه فصلى ركعتين ست سنين ثم أتم بمنى فكان اقتداؤهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فان ترك


(١) المرجع السابق ح‍ ٤ ص ١٤٨٨ الطبعة السابقة
(٢) فتح القدير للكمال ابن الهمام على الهداية ح‍ ٣ ص ٣٩ طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر طبعة أولى سنة ١٣١٦ هـ‍.
(٣) كشف الاسرار ح‍ ٤ من ص ١٥٠٦ الى ص ١٥١٠ الطبعة السابقة.
(٤) الموافقات فى اصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ح‍ ١ ص ١٤٦، ١٤٧ ومن ص ٣١٨ الى ص ٣٥١ طبع المكتبة التجارية.
(٥) المهذب لابى اسحاق الشيرازى ح‍ ١ ص ١٧٢ طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.