للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لأجحف به وجوب الدية لكثرتها، فأما إن كانت الجناية على نفسه شبه محمد فهل يجرى مجرى الخطأ؟ على وجهين، الوجه الأول هي كالخطأ لأنها تساويه فيما إذا كانت على غيره والوجه الثاني: لا تحمله العاقلة لأنه لا عذر له فأشبه العمد المحض (١)، وجاء في (٢) موضع آخر من المغنى: أنه إن ألقاه في ماء يسير يقدر على الخروج منه فلبث فيه اختيارًا حتى مات فلا قود فيه ولا دية لأن هذا الفعل يقتله وإنما حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه فلم يضمنه غيره، وان تركه فى نار يمكنه التخلص منها لقلتها أو كونه فى طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يفعل حتى مات فلا قود لأن هذا لا يقتل غالبًا وهل يضمنه؟ فيه وجهان أحدهما لا يضمنه لأنه مهلك لنفسه بإقامته فلم يضمنه كما لو ألقاه في ماء يسير لكن يضمن ما أصابت النار منه والثانى يضمنه لأنه جان بالإلقاء المفضى إلى الهلاك وترك التخلص لا يسقط الضمان كما لو قصده فترك شد فصاده مع إمكانه أو جرحه فترك مداواة جرحه. وفارق الماء لأنه لا يهلك بنفسه ولهذا يدخله الناس للغسل والسباحة والصيد وأما النار فيسيرها يهلك وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله أنا قادر على التخلص أو نحو هذا لأن النار لها حرارة شديدة فربما أزعجته حرارتها عن معرفة ما يتخلص به أو أذهبت عقله بألمها وروعتها. وإن ألقاه في لجة لا يمكنه التخلص منها فالتقمه حوت ففيه وجهان أحدهما عليه القود لأنه ألقاء في مهلكة فهلك فأشبه ما لو غرق فيها والثانى لا قود عليه لأنه لم يهلك بها أشبه ما لو قتله آدمى آخر، وإن ألقاه في ماء يسير فأكله سبع أو التقمه حوت أو تمساح فلا قود عليه لأن الذي فعله لا يقتل غالبًا وعليه ضمانه لأنه هلك بفعله.

[مذهب الزيدية]

جاء في (٣) التاج المذهب: قال في البحر أنه لو أمكن المجنى عليه دفع السبب الذي ليس بمهلك في العادة فلم يفعل حتى هلك سقط القصاص والدية كمن ألقى في ماء قليل مستلقيًا فيه حتى مات وكان يمكنه القيام وكمن فتح عليه عرق الفصد فلم يبده حتى هلك ونزف دمه وكان يمكنه دفعه فلا يضمن الفاعل إذ السبب بنفسه غير مهلك فكأنه أهلك نفسه أما لو كان السبب مهلك كمن جرح جرحًا يمكن مداواته فلم يداوه حتى هلك وكمن ألقى في ماء كثير وهو يمكنه السباحة ولم يسبح حتى هلك فلا يسقط القصاص. وجاء في موضع (٤) آخر من التاج المذهب: أن ما كان من القتل أو الجناية سببه منه أي من المجنى عليه فهدر لا شئ فيه لأنه في


(١) المغنى للشيخ العلامة موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة المقدسى جـ ٩ ص ٥٠٩، ص ٥١٠ في كتاب على مختصر الإمام أبي القاسم عصر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الخرشى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع للشيخ شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أحمد بن قدامة المقدسى طبع مطبعة المنار بمصر سننة ١٣٤٨ هـ الطبعة الأولى.
(٢) المرجع السابق جـ ٩ ص ٢٢٦ نفس الطبعة السابقة.
(٣) التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى جـ ٤ ص ٢٨٩، ص ٢٩٠ طبع مطبة دار إحياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر الطبعة الأولى سنة ١٢٦٦ هـ، سنة ١٩٤٧ م.
(٤) المرجع السابق جـ ٤ ص ٢٩٢ نفس الطبعة المتقدمة.