حكم الجانى على نفسه مباشرة ومن ذلك أن يعض يد غيره فانتزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاض أو سقط العاض فاندقت عنقه مات فلا شئ على المعضوض إذا لم يمكنه خلاص يده إلا بذلك قال في البيان فإن سقط المعضوض من العاض ضمن العاض ما وقع فيه من جناية كما في متجاذبى الحبل، ومن عدا على غيره ظلمًا ليقتله أو ليضربه فدخل المتبوع في ماء فغرق أو نار فحرق أو سقط في بئر أو من شاهق أو في كوة فلا ضمان على التابع إلا أن يكون الهارب أعمى أو لا يشعر بذلك حتى وقع فيه ضمن الدية، وجاء في (١) البحر الزخار: أنه لا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدًا إن العمد في مال الجانى ولا يثبت له دين على نفسه وكذلك الخطأ بل على العاقلة قلنا: لم يوجب دية عوف بن مالك حين أصاب نفسه قالوا: قضى بدية من أصاب عين نفسه خطأ على عاقلته قلنا: غير مشهور سلمنا، فاجتهاد له، قلنا لم يوجب - صلى الله عليه وسلم - دية عوف بن مالك حين أصاب نفسه، قال في الشفاء وروى أن عوف بن مالك الأشجعى ضرب مشركًا بالسيف فرجع السيف عليه فقتله فامتنع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه وقالوا: قد أبطل جهاده. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل مات مجاهدًا، وقال في رواية أخرى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هو شهيد قتل نفسه خطأ ولم يوجب الدية على عاقلته قلت في هذا الخبر سهو ظاهر وعوف بن مالك المذكور لم يقتل نفسه ولا قتل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل بقى بعده إلى أن مات بالشام سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وهو من مشاهير الصحابة وكان إسلامه عام خيبر جميع ذلك مشهور عند أهل الشأن المذكور في كتبه المعتبرة وإنما صاحب هذه القصة عامر الأسلمى عم سلمة بن الأكوع ولفظه فيما أخرجه مسلم عن سلمة بن الأكوع أن عمه عامرًا بارز مرحبا اليهودى يوم خيبر فاختلفا مرتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله وكانت فيها نفسه قال سلمة: وخرجت فإذا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عمل عامر قتل نفسه فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكى فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر؟ قال رسول الله: من قال ذلك؟ قلت ناس من أصحابك قال: كذب من قال ذلك. بل له أجره مرتين هذا طرف من الحديث المذكور. وفى حديث أخرجه أبو داود عن أبى سلام عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "أغرنا على حى من جهينة، فطلب رجل من المسلمين رجلًا منهم فضربه فأخطأه وأصاب نفسه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخاكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثيابه ودمه وصلى عليه ودفنه فقالوا: يا رسول الله أشهيد هو؟ قال: نعم، وأنا له شهيد، وليس في أي الحديثين ذكر امتناع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه، وكذلك لم يذكر في أيهما إيجاب الدية على العاقلة وذلك المقصود.
(١) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى جـ ٥ ص ٢٥٣، ص ٢٥٤ في كتاب معه جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للعلامة المحقق محمد بن يحيى مهران الصعدى وبه تعليقات مختلفة للقاضى عبد الله بن عبد الكريم الحرافى طبع مطبعة الخانجى بمصر.