[أولا: المتكلمون]
١ - يصوره قول الآمدى: (١).
الأمر بالشئ على التعيين: هل هو نهى عن أضداده؟ اختلفوا فيه وتفصيل المذاهب أما أصحابنا فالأمر عندهم هو الطلب القائم بالنفس. وقد اختلفوا: فمنهم من قال: الأمر بالشئ بعينه نهى عن أضداده وإن طلب الفعل بعينه طلبُ ترك أضداده. وهو قول القاضي أبى بكر في أول اقواله.
ومنهم من قال: هو نهى عن أضداده بمعنى أنه يستلزم النهى عن الأضداد لا أن الأمر هو عين النهى. وهو آخر ما اختاره القاضي.
ومنهم من منع من ذلك مطلقا وإليه ذهب إمام الحرمين والغزالى.
وأما المعتزلة فالأمر عندهم نفس صيغة "افعل" وقد اتفقوا على أن عين صيغة "افعل" لا تكون نهيا لأن صيغة النهى "لا تفعل" وليس إحداهما عين الأخرى. وإنما اختلفوا في أن الأمر بالشئ هل يكون نهيا عن أضداده من جهة المعنى؟
فذهب القدماء من مشايخ المعتزلة إلى منعه ومن المعتزلة من صار إليه كالعارضى وأبى الحسين البصرى وغيرهما من المعتبرين منهم.
ومعنى كونه نهيا عن الأضداد من جهة المعنى عندهم أن صيغة الأمر تقتضى إيجاد الفعل والمنع من كل ما يمنع منه.
ومنهم من فصل بين أمر الإيجاب والندب وحكم بأن أمر الإيجاب يكون نهيا عن أضداده ومقبحا لها لكونها مانعة من فعل الواجب بخلاف المندوب. ولهذا فإن أضداد المندوب من الأفعال المباحة غير منهى عنها لا نهى تحريم ولا نهى تنزيه.
والمختار إنما هو التفصيل وهو إما أن نقول بجواز التكليف بما لا يطاق أولا نقول فإن قلنا بجوازه. على ما هو مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى. رحمة الله عليه. كما سبق تقريره فالأمر بالفعل لا يكون بعينه نهيا عن أضداده ولا مستلزما للنهى عنها. بل جائز أن تؤمر بالفعل وبضده في الحالة الواحدة فضلا عن كونه لا يكون منهيا عنه.
وإن منعنا ذلك فالمختار أن الأمر بالشئ يكون مستلزما للنهى عن أضداده. لا أن يكون عين الأمر هو عين النهى عن الضد. وسواء كان الأمر أمر إيجاب أو ندب.
أما أنه مستلزم للنهى عن الأضداد فلأن فعل المأمور به لا يتصور إلا بترك أضداده. وما لا يتم فعل المأمور به دون تركه فهو واجب الترك إن كان الأمر للإيجاب؛ ومندوب إلى تركه إن كان الأمر للندب على ما سبق تقريره. وهو معنى كونه منهيا عنه. غير أن النهى عن أضداد الواجب يكون نهى تحريم وعن أضداد المندوب نهى كراهة وتنزيه.
وأما أنه لا يكون عينَ الأمر هو عين النهى
(١) الإحكام للآمدى حـ ٢ ص ٢٥١