فإن قيل: لو كان الأمر بالفعل مستلزما للنهى عن أضداده لكان الأمر بالعبادة مستلزما للنهى عن جميع المباحات المضادة لها والتي لا يمكن التلبس بها أثناء فعلها، ويلزم من ذلك أن تكون حراما إن كان النهى نهى تحريم أو مكروهة إن كان النهى نهى تنزيه؛ وأن يخرج المباح عن كونه مباحا كما ذهب إليه الكعبى من المعتزلة. بل ويلزم منه أن يكون ماعدا العبادة المأمور بها من العبادات المضادة لها منهيا عنها أيضا ومحرمة أو مكروهة وهو محال.
كيف وأن الآمر بالفعل قد يكون غافلا عن أضداده، والغافل عن الشئ لا يكون ناهيا عنه لأن النهى عن الشئ يستدعى العلم به، والعلم بالشئ مع الذهول عنه محال.
سلمنا أنه مستلزم للنهى عن الأضداد لكن يمتنع أن يكون النهى عن الأضداد غير الأمر بل يجب أن يكون هو هو بعينه. كما قاله القاضي أبو بكر في أحد قوليه.
ومأخذه أنه إذا وقع الاتفاق على أنه يلزم من الأمر بالفعل النهى عن أضداده فذلك النهى إن كان هو غير الأمر فإما أن يكون ضدا له أو مثلا أو خلافا.
لا جائز أن يقال بالمضادة ولا لما اجتمعا وقد اجتمعا.
ولا جائز أن يكون مثلا لأن المتماثلات أضداد على ما عرف في الكلاميات.
ولا جائز أن يكون خلافا وإلا جاز وجود أحدهما دون الآخر كما في العلم والإرادة ونحوهما. ولجاز أن يوجد أحدهما مع ضد الآخر كما يوجد العلم بالشئ مع الكراهة المضادة لإرادته. ويلزم من ذلك أنه إذا أمر بالحركة المضادة للسكون إذا كان النهى عن السكون مخالفا للأمر بالحركة أن يجتمع الأمر بالحركة والأمر بالسكون المضاد المنهى عنه. وفيه الأمر بالضدين معا. وهو ممتنع على ما وقع به الفرض. وإذا بطلت المغايرة تعين الاتحاد. وعلى هذا فالحركة عين ترك السكون، وشغل الجوهر بحيز هو عين تفريقه لغيره. وعين القرب من المشرق بالفعل الواحد هو عين البعد من المغرب، فطلب أحدهما بعينه طلب الآخر لاتحاد المطلوب.
فالجواب عن السؤال الأول: أنا لا نمنع من كون المباحات بل الواجبات المضادة المأمور بها منهيا عنها من جهة كونها مانعة من فعل المأمور به لا في ذاتها كما تقول في فعل الصلاة في الدار المغصوبة فإنه في ذاته غير منهى عنه وإن كان منهيا عنه من جهة ما يتعلق به من شغل ملك الغير. ولا التفات إلى ما يهول من خروج المباحات. عن كونها مباحة فإن ذلك إنما يلزم أن لو قيل بكونها منهيا عنها في ذواتها وأما إذا قيل بكونها منهيا عنها من جهة كونها مانعة من فعل المأمور به فلا.