للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق أنا قد بينا تحريم الله تعالى للتقليد جملة ولم يخص الله تعالى بذلك عاميا من عالم، ولا عالما من عامى، وخطاب الله تعالى متوجه الى كل أحد فالتقليد حرام على العبد المجلوب من بلده والعامى والعذراء المخدرة والراعى فى شعف الجبال كما هو حرام على العالم المتبحر ولا فرق.

والاجتهاد فى طلب حكم الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسّلام فى كل ما خص المرء من دينه لازم لكل من ذكرنا كلزومه للعالم المتبحر ولا فرق.

فمن قلد من كل من ذكرنا فقد عصى الله عز وجل وأثم ولكن يختلفون فى كيفية الاجتهاد فلا يلزم المرء منه الا مقدار ما يستطيع لقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» (١) ولقوله تعالى «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (٢) والتقوى هى العمل فى الدين بما أوجبه الله تعالى فيه ولم يكلفنا تعالى منه الا ما نستطيع فقط‍ ويسقط‍ عنا ما لا نستطيع وهذا نص جلى على أنه لا يلزم أحدا من البحث على ما نزل به فى الديانة الا بقدر ما يستطيع فقط‍ فعلى كل أحد

حظه من الاجتهاد ومقدار طاقته منه.

ثم قال ابن حزم: فالناس فى ذلك على مراتب فمن ارتفع فهمه عن فهم أغنام المجلوبين من بلاد العجم منذ قريب وعن فهم أغنام العامة فانه لا يجزيه فى ذلك ما يجزى من ذكرنا لكن يجتهد هذا على حسب ما يطيق فى البحث عما نابه من نص الكتاب والسنة ودلائلهما ومن الاجماع ودلائله.

[مذهب الزيدية]

جاء فى شرح الازهار (٣): أن التقليد وهو قبول الغير من دون أن يطالبه بحجة جائز لغير المجتهد فى المسائل الفرعية العملية، سواء كانت ظنية الدليل أو قطعيته بخلاف التقليد فى المسائل الاصولية فانه لا يجوز التقليد فيها سواء كانت من أصول الدين أو أصول الفقه أو أصول الشرائع.

وقال أبو اسحاق ابن عياش والامام يحيى:

يجوز التقليد فى أصول الدين وروى عن القاسم وأبى القاسم أيضا.

وكذلك لا يجوز التقليد فى الفروع العملية كمسألة الشفاعة وفسق من خالف الاجماع.


(١) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ١٦ من سورة التغابن.
(٣) شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج‍ ١ ص ٣، ٤، ٥، ٦ الطبعة السابقة.