للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الإغماء فى الصيام]

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع الصنائع قال عامة مشايخنا ان الافاقة ليست من شرائط‍ وجوب الصيام ويجب صوم رمضان على المغمى عليه لكن أصل الوجوب لا وجوب الأداء بناء على أن عندهم الوجوب نوعان أحدهما أصل الوجوب - وهو اشتغال الذمة بالواجب وانه ثبت بالأسباب لا بالخطاب ولا تشترط‍ القدرة لثبوته بل ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى - والثانى وجوب الأداء وهو اسقاط‍ ما فى الذمة وتفريقها من الواجب وأنه ثبت بالخطاب وتشترط‍ له القدرة على فهم الخطاب وعلى أداء ما تناوله الخطاب لأن الخطاب لا يتوجه الى العاجز عن فهم الخطاب ولا العاجز عن فعل ما تناوله الخطاب، والمغمى عليه لعجزه عن استعمال عقله عاجز عن فهم الخطاب وعن أداء ما تناوله الخطاب فلا يثبت وجوب الأداء فى حقه ويثبت أصل الوجوب فى حقه لأنه لا يعتمد القدرة بل يثبت جبرا، وتقرير هذا الأصل معروف فى أصول الفقه وفى الخلافيات. وقال أهل التحقيق من مشايخنا بما وراء النهر ان الوجوب فى الحقيقة نوع واحد وهو وجوب الأداء فكل من كان من أهل الأداء كان من أهل الوجوب ومن لا فلا - وهو اختيار أستاذى الشيخ علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندى رضى الله تعالى عنه - لأن الوجوب المعقول هو وجوب الفعل كوجوب الصوم والصلاة وسائر العبادات ومن لم يكن من أهل أداء الفعل - الواجب وهو القادر على فهم الخطاب والقادر على فعل ما يتناوله الخطاب لا يكون من أهل الوجوب ضرورة والمغمى عليه عاجز عن فهم الخطاب بالصوم وعن أدائه اذ الصوم الشرعى هو الامساك لله تعالى ولن يكون ذلك بدون النية والمغمى عليه ليس من أهل النية فلم يكن من أهل الأداء فلم يكن من أهل الوجوب.

والذى دعا الأولين الى القول بالوجوب فى حق المغمى عليه وغيره ما انعقد الاجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه بعد الافاقة بعد مضى بعض الشهر أو كله، فقالوا ان وجوب القضاء يستدعى فوات الواجب المؤقت عن وقته مع القدرة عليه وانتفاء الحرج فلا بد من الوجوب فى الوقت ثم فواته حتى يمكن ايجاب القضاء فاضطرهم ذلك الى اثبات الوجوب فى حال الاغماء، وقال الآخرون: ان وجوب القضاء لا يستدعى سابقية الوجوب لا محالة وانما يستدعى فوت العبادة عن وقتها والقدرة على القضاء من غير حرج، ولذلك اختلفت طرقهم فى المسئلة (١). ولو أفاق المغمى عليه فى نهار رمضان قبل الزوال فنوى الصوم اجزاه عن رمضان بلا خلاف بين أصحابنا (٢).

جاء فى التاج (٣) والاكليل: أن من شروط‍ الصيام وصحة فعله العقل، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى نقلا عن المدونة من أغمى عليه ليلا فى رمضان وقد نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق الا عند المساء وبعد ما أضحى لم يجزه صوم ذلك اليوم ويقضيه وأما من أغمى عليه جل اليوم ففى المدونة قال مالك رضى الله تعالى عنه: من أغمى عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب لم يجزه صومه لأنه أغمى عليه أكثر النهار، وأما من أغمى عليه أقل اليوم ولم يسلم أوله ففى المدونة أن من نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق الا بعد ما أضحى لم يجزه صوم ذلك اليوم. قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: ومن أغمى عليه قبل الفجر فلم يفق الا بعده لم يجزه صوم ذلك اليوم بخلاف النائم لو نام قبل الفجر فانتبه قبل الغروب


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج‍ ٢ ص ٨٨ طبع شركة المطبوعات العلمية الطبعة الأولى بمصر سنة ١٣٢٧ هـ‍.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٨٩ نفس الطبعة.
(٣) التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج‍ ٢ ص ٤٢٢ فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٢٧ هـ‍.