جاء فى بدائع الصنائع (١) أنه يشترط فى اجارة المنازل تسليم الدار للمستأجر على معنى أنه يجب التخلية والتمكين من الانتفاع برفع الموانع فى اجارة المنازل ونحوها، حتى لو انقضت المدة من غير تسليم المستأجر لا يستحق المؤجر شيئا من الأجر، لأن المستأجر لم يملك من المعقود عليه شيئا، فلا يملك هو أيضا شيئا من الأجر، لأنه معاوضة مطلقة، ولو مضى بعد العقد مدة ثم سلم فلا أجر له فيما مضى، لعدم التسليم فيه.
ولو أجر المنزل فارغا وسلم المفتاح الى المستأجر فلم يفتح الباب حتى مضت المدة لزمه كل الأجر، لوجود التسليم وهو التمكين من الانتفاع برفع الموانع فى جميع المدة فحدثت المنافع فى ملك المستأجر على ملكه، فلا يسقط عنه الأجر، وان لم يسلم المفتاح اليه لكنه أذن له بفتح الباب فقال: مر وافتح الباب، فان كان يقدر على فتح الباب بالمعالجة لزمه الكراء لوجود التسليم، وان لم يقدر لا يلزمه، لأن التسليم لم يوجد.
ولو أن شخصا استأجر دارا ليسكنها شهرا فسكن فى بعض الوقت ثم حدث بها مانع يمنع من الانتفاع فلا تلزمه أجرة تلك المدة، لأن المعقود عليه المنفعة فى تلك المدة، لأنها تحدث شيئا فشيئا فلا تصير منافع المدة مسلمة بتسليم محل المنفعة، لأنها معدومة والمعدوم لا يحتمل التسليم، وانما يسلمها على حسب وجودها شيئا فشيئا، فاذا اعترض مانع فقد تعذر تسليم المعقود قبل القبض فلا يجب البدل.
هذا ولا بد فى اجارة الدور والمنازل والبيوت من بيان المدة، لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه، فترك بيانه يفضى الى المنازعة، وسواء قصرت المدة أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن كانت معلومة، وسواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين ويتعين الزمان الذى يعقب العقد لثبوت حكمه، لأن التعيين قد يكون نصا، وقد يكون دلالة، وقد وجدها هنا دلالة التعيين من وجهين.
أحدهما: أن الإنسان انما يعقد عقد الإجارة للحاجة والحاجة عقيب العقد قائمة.
والثانى: ان العاقد يقصد بعقده الصحة، ولا صحة لهذا العقد الا بالعرف فى الشهر الذى يعقب العقد فيتعين.
ولو أجر داره شهرا أو شهورا معلومة فإن وقع العقد فى غرة الشهر يقع على الأهلة بلا خلاف، حتى لو نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة، لأن الشهر اسم للهلال، وإن وقع بعد ما مضى بعض الشهر ففى إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع، لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام، وأما فى اجارة الشهر ففيها روايتان عن أبى حنيفة: فى رواية اعتبر الشهور كلها بالايام، وفى
(١) بدائع الصنائع للكاسانى ج ٤ ص ١٧٩ الطبعة السابقة.