للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء في حاشية ابن السعيد على الإيضاح: أن الظاهر أنه إن حبسه لأجل استيفاء أجرته فتلف فلا أجرة له لأنه حيث حبسه لذلك صار بمنزله الرهن عنده قياسًا على السلعة إذا حبسها البائع في شئ من الثمن فإنهم ذكروا أنها بمنزلة الرهن (١).

وإن حبسه عن صاحبه بعد قبض الأجرة بدون عذر مانع من إيصاله فإنه يلزمه ضمانه حتى ولو سرق أو أحرق أو كوبر عليه ونحو ذلك من الأمور الغالبة، لأنه قد أخذ عليه الأجرة ولا وجه لإمساكه عنده وقد انفصل عنه بتمام العمل وقبض الأجرة فكان في ضمانه.

ومعنى إمساكه له في هذه المسألة أنه لم يوصله إلى صاحبه ولم يقبضه صاحبه وكان قد أخذه من دار صاحبه وليس المعنى أنه طليه صاحبه فمنعه منه، ولو كان هذا فمن باب أولى الضمان (٢). وكذلك لا يجوز للأجير أن يحبس ما بيده لأمر آخر غير الأجرة - التي لم يقبضها - فإن حبسه لغيرها وضاع ولو بلا تعد ضمنه غير معمول ولا أجرة له.

وقيل: يجوز للأجير حبس ما بيده في مقابل دين له جحده صاحب المال أو تباعة كذلك فإن ضاع حسب من دينه أو تباعته معمولًا.

وإن تلف ما بيد الأجير قبل العمل ضمنه غير معمول على قول الضمان، سواء نوى حبسه بعد تمام العمل لاستيفاء أجرته أم لم ينو ذلك (٣).

[إمساك العين المستأجرة]

وإن استأجر شخص من شخص دابة مثلًا لعمل معين كحرث أو طحن أو ما أشبه ذلك من الأعمال، أو استأجرها للعمل مطلقًا كذا يومًا فذهب بها المستأجر إلى بيته فحبسها أيامًا في داره ولم يعمل بها شيئًا ولم يعلم بذلك صاحبها - أي لم يعلم بأنه حبسها وتركها بلا عمل - فله على المستأجر أجرة مثلها في تلك الأيام التي حبسها فيها في داره ينظر أهل العدل وهذا الراجح، لأنه عطل صاحبها عن الانتفاع بها خلال تلك الفترة وقد أخذها على الإجارة. وقال بعض: ليس على المستأجر شئ من أجرتها إذا لم يكن استعملها، لأنه استأجرها للعمل ولم يحصل من ذلك، ونسبه صاحب التاج إلى الأكثر.

وقيل: لصاحبها الأجر كلُّه سواء حبسها المستأجر بلا عمل أو عمل بها، لأن ذلك جاء من قبله.

وإن استعملها المستأجر بعد حبسها فترة فلصاحبها الأجر كله أيضًا.

أما إن علم صاحبها بأن المستأجر حبسها بلا عمل فلا أجر له ويعد راضيًا بعدم الأجر حيث علم وسكت (٤).

ولا يجوز للمستأجر أن يمسك على الدابة المستأجرة شيئًا من أموال الناس كالسلاح كما لا يمسك عليها مصحفًا ولا كتابًا ليقرأه (٥).


(١) الإيضاح بحاشية بن سعيد السدويكش جـ ٣ ص ٦١٥ الطبعة السابقة.
(٢) شرح النيل السابق جـ ٥ ص ١٨٣ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق جـ ٥ ص ١٨١ الطبعة السابقة.
(٤) المرجع السابق جـ ٥ ص ١٥٧ - ١٥٨ الطبعة السابقة.
وانظر أيضًا الإيضاح جـ ٣ ص ٥٩٧ - ٥٩٨ الطبعة السابقة.
(٥) شرح النيل السابق جـ ٥ ص ٩٠ الطبعة السابقة.