للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فان هذا يعد اكراها ويشمل الفعل أيضا الوعيد بالقول (١).

[أنواع الاكراه]

يتنوع الاكراه الى أنواع:

أولها: اكراه ملجئ: ويتحقق بالتهديد بتلف نفسى أو عضو أو بعضه أو ضرب مبرح وهذا النوع يعدم الرضا ويفسد الاختيار ويظهر أثره فى الأقوال والأفعال.

ثانيها: اكراه غير ملجئ ويتحقق بالتخويف بالحبس مدة مديدة وهى ما زاد على يوم وبالضرب اليسير الذى لا يخاف فيه تلف النفس وهذا النوع معدم للرضا غير مفسد للاختيار لعدم الاضطرار الى مباشرة ما أكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هدد به وهذا يظهر أثره فى الأقوال فقط‍.

فلو أكره بذلك على أن يطرح ماله فى النار أو الماء أو أن يدفعه الى فلان لم يكن مكرها (٢).

ثالثها: اكراه لا يعدم الرضا فلا يفسد به الاختيار ضرورة لأن الرضا مستلزم لصحة الاختيار وذلك بقصد المكره بالكسر حبس أبى المكره بالفتح. أو يغتم المكره بالفتح بسبب حبس أبيه وما يجرى مجراه من حبس زوجته وأخته وأمه وأخيه وكل ذى رحم محرم منه لأن القرابة المتأبدة بالمحرمية بمنزلة الولاد.

وهذا هو مقتضى القياس وبه قال الزيلعى (٣) وجاء فى المبسوط‍:

لو قيل له سنحبس أباك أو ابنك فى السجن أو لتبيعن عبدك بألف درهم ففعل ففى القياس البيع جائز لأن هذا ليس باكراه فانه لم يهدده بشئ فى نفسه وحبس أبيه فى السجن لا يلحق ضررا به فالتهديد به لا يمنع صحة بيعه واقراره وهبته وكذلك فى حق كل ذى رحم محرم وفى الاستحسان ذلك اكراه ولا ينفذ شئ من هذه التصرفات لأن حبس أبيه يلحق به من الحزن والهم ما يلحق به بحبس نفسه أو أكثر فان الولد اذا كان بارا يسعى فى تخليص أبيه من السجن وربما يدخل السجن مختارا ويجلس مكان أبيه ليخرج أبوه فكما أن التهديد بالحبس فى حقه يعدم تمام الرضا فكذلك التهديد بحبس أبيه (٤). وذكر الطورى أن هذا هو المعتمد اذ لا فرق بين حبس الوالدين والولد فى وجه الاستحسان وزاد القهستانى أو غيرهم من ذى رحم محرم (٥) وعلى هذا يكون النوع الثالث من النوع الثانى ولذلك جرى فقهاء الحنفية فى كتب الفقه على أن الاكراه نوعان هما الأول والثانى فقالوا ان الاكراه الذى له أثر فى الأحكام نوعان كامل يفسد الاختيار ويوجب الالجاء وهو النوع الأول وقاصر يعدم الرضا ولا يوجب الالجاء وهو النوع الثانى (٦).


(١) راجع المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج‍ ٥ ص ١٠٩.
(٢) راجع فيما تقدم الدر المختار على رد المحتار لابن عابدين ج‍ ٥ ص ١٠٩ وكشف الأسرار ج‍ ٣ ص ٣٨٣ والأشباه والنظائر لابن نجيم ص ١٥٦.
(٣) راجع الدر المختار ج‍ ٥ ص ١١٠.
(٤) راجع كشف الأسرار ج‍ ٣ ص ٣٨٣.
(٥) راجع رد المحتار على الدر المختار ج‍ ٥ ص ١١٠.
(٦) راجع كشف الأسرار ج‍ ٣ ص ٣٨٦ وباب الاكراه فى ابن عابدين والزيلعى.