للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الذمة أن المسلمين يكلفونهم الذبيحة فقال أطعموهم مما تأكلون. وقال الأوزاعى رضى الله تعالى عنه: ولا يكلفون الذبيحة ولا الشعير، وقال القاضي: إذا وقع الشرط مطلقا لم يلزمهم الشعير، ويحتمل أن يلزمهم ذلك للخيل لأن العادة جارية به فهو كالخبز للرجل. فإن امتنع بعضهم من القيام بما يجب عليه أجبر عليه، فإن امتنع الجميع أجبروا، فإن لم يمكن إلا بالقتال قوتلوا، فإن قاتلوا انتقض عهدهم (١).

[مذهب الظاهرية]

قال صاحب المحلى: ولا يقبل من كافر إلا الإسلام أو السيف، الرجال والنساء في ذلك سواء ماشا أهل الكتاب خاصة وهم اليهود والنصارى والمجوس فقط فإنهم أن أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار. والصغار هو أن يجرى حكم الإِسلام عليهم، وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم ولا مما يحرم في دين الإسلام، قال الله عز وجل: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} (٢)، ويجمع الصغار شروط عمر رضى الله تعالى عنه عليهم. فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق (٣).

[مذهب الزيدية]

جاء في شرح الأزهار وحواشيه أنه لا خلاف في أن عهد أهل الذمة ينتقض بابتدائهم لنا بالنكث للعهد بقول أو فعل، أما القول فنحو أن يقولوا نحن براء من العهد الذي بيننا وبينكم في المؤبد والمؤقت، أو قد نقضنا العهد، أو الزموا حذركم منا أو نحو ذلك، وأما الفعل فنحو أن يأخذوا السلاح ويتأهبوا لقتال المسلمين عموما أو خصوصا لأجل الإِسلام، أو يأخذوا شيئا من أموال المسلمين على جهة القهر والمغالبة أو نحو ذلك مثل إيواء الجاسوس ومكاتبتهم إلى غيرهم من أهل الحرب، لكن ذلك كله لا يكون نقضا لعهدهم جميعا إلا حيث يحصل هذا النكث بالقول أو بالفعل من جميعهم أو من بعضهم ولو واحدا ورضى به الباقون أو سكتوا عن الناكثين، وأما إذا كره الباقون النكث وباينوا الناكث لم يكن نقضا لعهد المستمسك منهم، والمباينة إما بقتال الناكث معنا أو بإظهار البراءة منه والعزم على القيام عليه مع المسلمين. ولا ينتقض عهدهم بضربهم الناقوس، وإظهار معتقدهم أن الله ثالث ثلاثة، ودعاء المسلمين إلى الخمر، وركوب الخيل ونحوها مما لا ضرر فيه، بل يعزرون، ولو شرط الإمام النقض بذلك لم ينتقض بل يحمل على التخويف؛ إذ لا دليل على أنها موجبة للنقض، وأما الذمى إذا سب نبينا - صلى الله عليه وسلم - وكذب القرآن العظيم فقال الهادى والناصر والإمام يحيى إنه يكون نقضا لعهده، فيقتل، وقال المؤيد بالله: لا يكون نقضا بل يؤدب، وأما إذا قال إن محمدا رسول الله ليس بنبى، أو أن الله ثالث ثلاثة، أو عزير ابن الله، فإنه لا يقتل بذلك لأنه دينهم الذي صولحوا عليه وإن لم يقع النكث من جميعهم انتقض عهد من امتنع من الجزية إن تعذر إكراهه على تسليمها إلا أن يكون التعذر بقوة أحد


(١) الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى جـ ١٠ ص ٦٠٧ وما بعدها إلى ص ٦٠٩ في كتاب أعلام المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٣٩ من سورة الأنفال.
(٣) المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى جـ ٧ ص ٣٤٥ وما بعدها إلى ص ٣٤٧ مسألة رقم ٩٥٨ الطبعة الأولى بتحقيق الشيخ عبد الرحمن الجزير طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٤٩ هـ.