للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الشافعية]

جاء فى المهذب (١): أن من أمن أسيرا لم يصح الأمان، لأنه يبطل ما ثبت للإمام فيه من الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء.

وإن قال كنت أمنته قبل الأسر لم يقبل قوله، لأنه لا يملك عقد الأمان فى هذه الحال فلم يقبل إقراره به.

وإن أسر امرأة حرة أو صبيا حرا رق بالأسر، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم سبى بنى المصطلق واصطفى صفية من سبى خيبر وقسم سبى هوازن، ثم استترلته هوازن فنزل واستنزل الناس فنزلوا.

وإن أسر حر بالغ من أهل القتال فللإمام أن يختار ما يرى من القتل والاسترقاق والمن والفداء، فإن رأى القتل قتل، لقول الله تبارك وتعالى:

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ٢»}. ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة من المشركين من قريش، مطعم بن عدى، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبى معيط‍.

وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحى، وقتل يوم الفتح ابن خطل، وإن رأى المن عليه جاز

لقول الله عز وجل: «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» (٣)

ولأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم منّ على أبى عزة الجمحى، ومنّ على ثمامة الحنفى، ومنّ على أبى العاص بن الربيع، وإن رأى أن يفادى بمال أو بمن أسر من المسلمين فادى به.

لقول الله تبارك وتعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً»

وروى عمران بن الحصين رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فادى أسيرا من عقيل برجلين من أصحابه أسرهما ثقيف، وإن رأى أن يسترقه، فإن كان من غير العرب نظرت، فإن كان ممن له كتاب أو شبه كتاب استرقه، لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى قوله عز وجل «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ٤» وذلك يوم بدر، والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا، واشتد سلطانهم، أمر الله عز وجل فى الأسارى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً».

فجعل الله سبحانه وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فى أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم.

فإن كانوا من عبدة الأوثان ففيه وجهان:

أحدهما وهو قول أبى سعيد الإصطخرى أنه لا يجوز استرقاقه لأنه لا يجوز إقراره على الكفر بالجزية فلم يجز الاسترقاق كالمرتد.

والثانى أنه يجوز، لما رويناه عن ابن عباس


(١) المهذب ج ٢ ص ٢٣٥، ٢٣٦ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٥ من سورة التوبة.
(٣) الآية رقم ٤ من سورة محمد.
(٤) الآية رقم ٦٧ من سورة الأنفال.