للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأمان صح، لو كان ممتنعا أي في موضع يمنعه عن وصولنا إليه، وليس معناه أنه يصير آمنا بمجرد طلبه الأمان بل إذا ترك منعته وجاء الينا، وهذا إذا كان جاء إلينا وحده بلا سلاح أما إذا أقبل سالا سيفه مادًا برمحه فلما قرب استأمن فهو فئ لأن البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقته جائز ولو في إباحة الدم، إذ الحاصل أن من فارق المنعة عند الاستئمان يكون آمنا عادة، والعادة توجد الحكم إذا لم يوجد التصريح بخلافه. (١) ويشترط لذلك سماعهم ذلك من المسلمين.

قال ابن عابدين: ووجه لو قال: أمنونى على أهلى أو على ذرارى أو على متاعى أو قال: أمنونى على عشرة من أهل الحصن، دخل هو أيضًا لأنه ذكر نفسه بضمير الكناية وشَرطَ ما ذكره معه لأن "على" للشرط. ولو قال أمنونى على أولادى دخل فيه أولاده لصلبه وأولادهم من قِبَل الذكور لا من قبل البنات لأنهم ليسو أولاده، وذلك في رواية عن محمد. وفى رواية عنه للخصاف: إنهم يدخلون، لقوله - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا عن الحسن والحسين: أولادنا أكبادنا. ووجه الرواية الأولى أن هذا مجاز بدليل قوله تعالى: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" أو هو خاص بأولاد فاطمة لما روى عنه عليه الصلاة والسلام: "كل الأولاد ينتمون إلى أبائهم إلا أولاد فاطمة فانهم ينسبون إليّ، أنا أبوهم. " ولكنه حديث شاذ. ولو قال: أمنونى على أولاد أولادى دخل أولاد البنات. وفى دخول أولاد البنات في الذرية روايتان لأن اسم ولد الولد حقيقة لمن ولده ولدك، وابنتك ولدك، فما ولدته ابنتك يكون ولد ولدك حقيقة بخلاف الأول.

[مذهب المالكية]

يكون الأمان من امام أو غيره بلفظ دال عليه، عربيا كان اللفظ أو غير عربى، وذلك بنحو قوله: أمناك. لما يكون الأمان بإشارة برأس أو يد يفهم الحربى منها الأمان، وإن قصد بها المسلم ضده. وينعقد الأمان لو ظن الحربى أن ما قاله المسلم أو أشار به هو أمان، والحال أن المسلم لم يؤمنه وإنما خاطب غيره أو خاطبه بكلام لم يفهمه، فظن أنه أمنه، فجاء إلينا معتمدًا على ظنه. (٢) وقال في التوضيح: يشترط في ذلك قصد الأمان وقال المواق: لا يشترط هذا القصد. قال الدسوقى: فيحمل ما في التوضيح على أن الأمان الذي يشترط فيه القصد هو الأمان المنعقد الذي لا يرد، ويحمل في المواق على أن الأمان الذي لا يشترط فيه القصد هو الذي يكون فيه تخيير الإمام؛ فإذا فتحنا لهم المصحف وحلفنا أن نقتلهم فظنوا ذلك أمانا، فإن هذا الأمان يعصم دمه وماله ولكن يخير الامام بين أوضائه ورده لمأمنه وبهذا يجمع بين ما في التوضيح والمواق. (٣) ويجوز الاشتراط في الأمان. فإذا اشترط علينا شخص من العدو مثلا إنه إذا فتح لنا الحصن أو البلد أو القلعة على أن نؤمنه على نفسه أو على ماله أو على غير ذلك فإنه يجب علينا أن نوفيه بذلك. ولو قال: افتح لكم على أن تؤمنونى على فلان رأس الحصن فرضوا، فالرأس مع الرجل آمنان، وكذا لو قال مع أن تؤمنونى على فلان، لأنه لا يطلب الأمان لغيره إلا مع نفسه (الخرشى جـ ٣ جـ ١٢١ و ١٢٢)


(١) حاشية ابن عابدين جـ ٤ ص ١٣٦ (الطبعة السابقة)
(٢) الشرح الصغير بحاشية الصاوى (الطبعة السابقة) جـ ٢ ص ٢٨٨ و ٢٨٩.
(٣) حاشية الدسوقى جـ ٢ ص ١٨٦