للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغراب مثل أن يقول الدائن لمدينه: أبرأتك بشرط‍ نزول المطر فى وقت كذا أو عند نزول المطر. وإذا قيد بشرط‍ لم يصح الرجوع فيه قبل تحقق الشرط‍ أى إذا علق على شرط‍ لم يصح أن يرجع فيه قبل تحقق الشرط‍.

وهذا دليل صحة تعليقه على الشرط‍ عند الزيديه، وأجازوا أن يكون فى نظير عوض مالى أو غير مالى كأبرأتك على أن تهب لى كذا أو على أن تطلق زوجتك فلانة فإذا تحقق ذلك صح وإلا لم يصح وتصح اضافته إلى الموت عندهم وعندئذ يكون وصية (١).

[أنواع الابراء]

يتنوع الإبراء بالنظر إلى صيغته نوعين عند الحنفية: ابراء اسقاط‍، وابراء استيفاء فإذا دلت صيغته وضعا على الإسقاط‍ كأبراتك من الدين أو أسقطت عنك الدين أو أحللتك منه أو تصدقت به عليك، أو نحو ذلك .. كان إبراء إسقاط‍ لأن الدائن قد عبر بما يدل على أنه قد ترك دينه وأسقطه عن مدينه، وسواء فى ذلك أن يكون ذلك بالنسبة إلى الدين كله أم بالنسبة إلى بعضه.

وإذا دلت صيغته على أن زوال الدين بسبب وفائه كان إبراء استيفاء، ويكون ذلك بإقرار الدائن باستيفاء دينه من مدينه كقوله: استوفيت دينى قبل فلان، ونحو ذلك. مما يدل على هذا المعنى من العبارات وإنما سمى هذا النوع إبراء نظرا إلى نتيجته وهى عدم جواز المطالبة به بعد ذلك وسواء فى ذلك أن يكون المدين قد قام بالوفاء فعلا أم لا، إذ الأثر فى الحالين واحد، وهن عين الأثر فى النوع الأول

وذلك الأثر هو سقوط‍ الدين.

ولاختلاف هذين النوعين فى العبارة الدالة على زوال الدين ودلالتها قالوا إن إبراء الإسقاط‍ يختص بالديون إذ أن العبارة فيه صريحه فى اسقاطها، ولا يصح فى الأعيان، وذلك لعدم صحه إسقاط‍ الأعيان.

أما إبراء الاستيفاء فإنه يكون فى الدين والعين جميعا، إذ الإقرار بالوفاء كما يتحقق فى الدين يتحقق فى العين، وذلك بدفعها إلى مالكها (٢).

وإبراء الاستيفاء إذا كان إقرارا بالوفاء كما بينا لا يحمل معنى الاسقاط‍، ويتمحض تمليكا بخلاف إبراء الاسقاط‍، فإنه كما تقدم، كما يمكن أن يعد تمليكا للدين للمدين، يمكن أن يعد اسقاط‍ له. ذلك لأن وفاء الدين لا يكون إلا بتمليك مثله للدائن.

ومن هذا قال فقهاء الحنفية أن الديون تقضى بأمثالها، فإذا أعطى المدين الدائن مثل دينه فيه فقد ملكه مثله واستوجب عليه بهذا التمليك مطالبته به لولا ما عليه من دين مماثل يستوجب عليه مطالبته به من قبل الدائن فسقطت مطالبته بما أوفى نظير سقوط‍ مطالبة الدائن إياه بما له من دين فى ذمته.

وهذا معنى قولهم ان الدينين يلتقيان قصاصا. ونتيجة لذلك يرى أن ذمة كل من


(١) شرح الأزهار ج‍ ٤ ص ٢٥٨.
(٢) تكملة ابن عابدين ج‍ ٢ ص ٣٥٢ وما بعدها طبعة بولاق.