المدين والدائن بعد الوفاء بالدين مشغولة فذمة المدين لا تزال مشغولة بالدين ولكن لا يطالب به، وذمة الدائن أصبحت بالوفاء مشغولة بما أعطى فى دينه فإذا ما أبرأ الدائن مدينه فى هذه الحال أى بعد وفاء الدين إبراء اسقاط صادف ذلك الإبراء محلا، وهو دينه الذى لا يزال شاغلا ذمة المدين فسقط بذلك الإبراء وخلصت ذمته منه وأصبحت ذمة الدائن وحدها مشغولة بما كان قد أعطى فى دينه من المال لا فى نظير شئ، فكان للمدين بسبب ذلك أن يسترد من الدائن مما سبق إن كان وفاه به، وهذا هو حكم الإبراء من الدين بعد الوفاء به.
أما إبراء الاستيفاء فإذا كان اقرار بالوفاء لم يكن إلا إخبارا بما حدث من تمليك للدائن فى نظير دينه، فلم يترتب عليه سقوط أحد العوضين، ولم يكن للدائن ولا للمدين مطالبة الآخر (١) بشئ، وهذا هو اختيار السرخسى، والصدر الشهيد، وذكر خواهر زاده أنه لا رجوع فى الحالين، واختاره بعض المشايخ.
ويتنوع إبراء الاسقاط بالنظر إلى موضوعه نوعين:
إبراء خاص وإبراء عام، فيكون خاصا إذا ما كان موضوعه حقا معينا أو حقوقا معينة مثل أن يقول شخص لآخر: أبرأتك من دينى أو من ديونى التى ثبتت لى فى ذمتك فى سنة كذا أو من دعواى هذه الأرض أو من جميع الدعاوى التى رفعتها عليك أو القائمة بينى وبينك الآن.
ويكون عاما إذا كان موضوعه عاما يتناول كل حق للمبرأ قبل شخص معين أبرأه.
على أن عموم الإبراء وخصوصه مسألة نسبية، فإن قول شخص لآخر: أبراتك من كل دعوى تتعلق بأى عقار تحت يدك فى بلد كذا، يعد عاما بالنسبة لما تحت يد المبرأ من عقار فى هذا البلد، ويعد خاصا بالنظر إلى حقوقه كلها، سواء تعلقت بهذا العقار أو بغيره والإبراء سواء أكان خاصا أو عاما لا يتناول إلا ما تدل عليه العبارة من حق قائم عند الإبراء، ولا يتناول ما يجد من حقوق بعده، وإن شملته العبارة كما تقدم ذلك.
وبناء على ذلك إذا قال شخص لآخر:
لا حق لى قبلك، يشمل جميع الدعاوى المتعلقة بالأعيان أمانة كانت أم مضمونة، وجميع الديون وجميع الحقوق من كل حق هو مال ومن كل حق ليس بمال كالكفالة والقصاص وحق القذف وما إلى ذلك، فلا تسمع منه دعوى بحق ثابت على هذا الإبراء، وكذلك إذا قال أبرأت فلانا من كل دعوى لى قبله لا يحق له أن يدعى عليه بشئ سابق على هذا الإبراء سواء أكان الادعاء متعلقا بدين أو بعين وإذا قال أبرأته من كل دين لى قبله سقطت جميع ديونه التى له قبل هذا
(١) تكملة ابن عابدين ج ٢ ص ٣٥٢ وما بعدها طبعة بولاق.