للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيجب الامتثال لكل واحد منهما، فالواجب في قول القائل "صل ركعتين. صل ركعتين" أربع ركعات، وجوب كل ركعتين بالأمر إلا إذا صرفته عن ذلك قرينة. والقرينة إما عقلية "كاقتل زيدا اقتل زيدا" فإن العقل يأبى تكرر القتل فهو قرينة في أن الثاني تأكيد للأول. وإما شرعية نحو "صم اليوم. صم اليوم" "واعتق عبدك أعتق عبدك" فإن الشرع لم يجعل في اليوم الواحد صومين، ولم يجعل للرقبة الواحدة عتقين. وإما عادية وذلك أن يعلم من أحد عادة في تكرير الكلام فإن تكراره يحتمل على عادته. وإما حالية نحو قول السيد لعبده "اسقنى ماء. اسقنى ماء" فإن المعلوم من حال الآمر أنه لم يرد تكرر السقى وإنما كرر الأمر تأكيدا لتعجيل الامتثال. وإما أن تكون القرينة تعريفا وذلك أن يعاد الأمر الثاني لتفهم المأمور وتبين المطلوب منه مخافة أن لا يكون فهيمه من الأمر الأول وقد تجئ القرينة لفظية وذلك نحو صل ركعتين صل الركعنتين إذ المعلوم أن الركعتين الأخيرتين هما الركعتان الأوليان بقرينة "أل" وهى لفظ كما ترى.

ثم قال: (١)

وذلك: "أن حكم الأمر هو الوجوب حقيقة وأن هذا الحكم لا بفارقة سواء كان مفردا أو مكررا إلا بدليل ولا دليل لغير الوجوب في الحالين أي في الأمر الأول والثانى إذ ليس تكراره دليلا على انتقاله عن حكمه الأصلى الثابت بالدليل القطعى. وكون التكرار محتملا للتأكيد فهو احتمال لا يكفى أن تترك الحقائق لأجله. وأيضا فالتأكيد اللفظى قليل الدوران في كلام العرب فقلما يؤكدون زيدا بلفظه فإن أرادوا تأكيده أكدوه بالنفس أو العين. وبقلة دورانه على السنة العرب يغلب في الظن أنه غير مراد. فإن وجد بين الأمرين عطف نحو صل ركعتين وصل ركعتين ازداد الحمل على التأكيد ضعفا فوق ضعفه الأول لأن ما بعد العاطف مغاير لما قبله إذ لا يصح أن يعطف الشئ على نفسه فلا تقول جاء زيد وزيد إلا إذا كان زيد الثاني غير الأول نعم إن اختلف اللفظان جاز العطف وإن اتحد المعنى تنزيلا للثانى منزلة التفسير للأول نحو: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} (٢) وإذا لحظت ما بين المتعاطفين هنا رأيت المغايرة موجودة فيهما قطعًا فإن المفسر غير المفسر واللفظ الثاني غير الأول وباعتبار هذه المغايرة جاز العطف. وما نحن بصدده هو شئ غير هذا: لا يقال إن الخاص بعض العام وشئ منه وصح عطفه عليه ولا مغاية بينهما نحو قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (٣). لأنا نقول إن الخاص الذي عطف على العام هو غير العام المعطوف عليه، وذلك أن خصوصيته بالذكر وعطفة على ما قبله دليل على أن المراد بالعام هو ما عدا هذا المعطوف فصح التغاير بهذا الاعتبار.

[الأمر بالأمر: هل يكون أمرا؟]

[أولا: طريقة المتكلمين.]

١ - الغزالي: (٤)

الأمر بالأمر بالشئ وليس أمرا بالشئ ما لم يدل عليه دليل. مثاله قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} (٥)


(١) المصدر السابق ٦١.
(٢) آية ٢٣٨ سورة البقرة.
(٣) آية ٣٤ سورة المعارج.
(٤) المستصفى جـ ٢ ص ١٢.
(٥) آية ١٠٣ سورة التوبة.