للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعوى المسافر على بعض رفقته أنه أودعه مالا أو أنه أتلف منه مالا في حال سفره فإن اليمين تتوجه ولا يحتاج فيها إلى إثبات خلطة، لأنَّهُ قد يعرض له ما يوجب دفع ماله لبعض رفقته، ومنها المريض يدعى في مرض موته على آخر بدين فإن اليمين تتوجه على المدعى عليه ولا يحتاج إلى إثبات خلطة ومثله ورثته، ومنها رجل عرض سلعته في السوق للبيع فادعى البائع على رجل ممن حضر المزايدة أنه اشتراها بكذا وأنكر الرجل الشراء أو ادعى الرجل على البائع أنه ابتاعها منه بكذا وأنكر البائع البيع فتتوجه اليمين على المنكر منهما وإن لم تثبت خلطة (١). قال صاحب شرح منح الجليل: وإن لم يجب المدعى عليه بإقرار أولًا إنكار بأن سكت أو قال لا أجيب ولا أخاصم حبس المدعى عليه حتَّى يجيب بإقرار أو إنكار، رواه أشهب رحمه الله تعالى، قال ابن رشد رضى الله تعالى عنه وبه جرى العمل وظاهره وإن لم يطلبه المدعى، وإن تمادى على عدم الجواب أدب بالضرب حتَّى يجيب بإقرار أو إنكار وبه أفتى فقهاء قرطبة، ثم إن استمر على الامتناع من الجواب حكم القاضي عليه بلا يمين من المدعى قاله ابن المواز رحمه الله تعالى لعدم امتناعه من الجواب إقرارا بما ادعاه المدعى. قال اللخمى رحمه الله تعالى: اختلف إذا ادعى شخص على آخر دعوى فلم يقر المدعى عليه ولم ينكر، فقال الإِمام مالك رضى الله تعالى عنه فيمن كانت بيده دار فادعى رجل أنها لأبيه أو لجده فسئل من هي في يده فلم يقر ولم ينكر أنه يجبر على أن يقر أو ينكر، قال محمد رضى الله تعالى عنه: فإن لم يرجع فيقر أو ينكر حكمت عليه للمدعى بلا يمين (٢).

[مذهب الشافعية]

جاء في نهاية المحتاج أنه إذا أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى الصحيحة وهو عارف أو جاهل فنبه ولم يتنبه جعل كمنكر ناكل فيما يأتى بقيده وهو أن يحكم القاضي بنكوله أو يقول للمدعى احلف، فحينئذ يحلف، ولا يمكن الساكت من الحلف لو أراده. ويندب له أن يكرر أجب ثلاثا، نعم إن غلب على ظنه أن سكوته لنحو دهشة أو جهل وجب إعلامه، فإن أصر فناكل، وسكوت أخرس عن إشارة مفهمة أو كتابة أحسنها كذلك، ومثله أصم لا يسمع وهو يفهم الإِشارة، وإلا فهو كمجنون؛ فإن ادعى عليه عشرة مثلًا فقال لا تلزمنى العشرة لم يكف في الجواب حتَّى يقول ولا بعضها، وكذا يحلف إن توجهت اليمين عليه لأن مدعى العشرة مدع لكل جزء منها فلابد من أن يطابق الإِنكار واليمين دعواه وإنما يطابقانها إن نفى كل جزء منها، فإن حلف على نفى العشرة واقتصر عليه فناكل عما دون العشرة فيحلف المدعى على استحقاق دون عشرة بجزء وإن قل بلا تجديد دعوى ويأخذه لأن اليمين مع النكول كالإِقرار، نعم إن نكل المدعى عليه عن العشرة وقد اقتصر القاضي في تحليف المدعى عليه على عرض اليمين عليها ولم يقل ولا شئ منها فليس للمدعى أن يحلف على استحقاق


(١) شرح أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل لأبى الضياء سيدى خليل جـ ٧ ص ١٥٥، ص ١٥٦ في كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة ١٣١٧ هـ.
(٢) شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش جـ ٤ ص ١٨٢ في كتاب على هامشه حاشيته المسماه تسهيل منح الجليل.