هذا جاهل بحكم الله فى قضيته فلا يرجم لأن الحدود تدرأ بالشبهات لكن يصح لنا أن نبرأ منه لأن البراءة بغض على معصية الله وهو قد عصى.
وان كان جاهلا فانه لا يسعه جهله بذلك وعليه أن يتوب من فعله ولا يكون درء الحد عنه دليلا على عذره فانه غير معذور فى ذلك.
القسم الرابع: من أقسام الجهل وهو ما يكون عذرا لصاحبه لا اثم يلحقه بسببه فهو كجهل الوكيل عزله عن الوكالة أو جهل الشفيع شفعته أو جهل المتزوج انسابه أو جهل لحم الخنزير المقطع فأكله من يد من تجوز ذبيحته ونحو ذلك بيانه ان الوكيل اذا عزله الموكل ولم يعلم بالعزل فان جهله بالعزل يكون عذرا له فى التصرف فى مال الموكل حتى قيل انه لو باع أو اشترى على مقتضى الوكالة نفذ تصرفه وثبت بيعه وشراؤه وكذلك الشفيع اذا بيعت شفعته ولم يعلم ببيعها ثم علم بعد ذلك فان له أخذ شفعته بعد العلم ببيعها ولا يكون جهله ببيعها مسقطا لحقه وكذلك من تزوج ذات محرم منه ولم يعلم انها ذات محرم فان جهله بنسبها يكون عذرا فى رفع الحرج عنه فمتى علم انها ذات محرم لزمه تركها وكذلك من أكل لحم الخنزير المقطع من يد من يجوز له أكل اللحم من يده وهو لا يعلم انه لحم خنزير فانه لا اثم عليه فى أكله فصار جهله عذرا له فى ذلك أما من وجد الخنزير قائما فلا يسعه أكل لحمه.
وان كان لا يعرف الخنزير لأن عين الخنزير معروفة عند من يعرف الخنزير.
فاذا لم يعلم هذا المبتلى ما تلك العين لزمه ان لا يأكله لأنه حرام فى دين الله تعالى وعينه شاهدة على معرفته فالجهل به انما هو جهل مع قيام الحجة ونصب الأدلة فلا يكون عذرا (١).
[اعذار المكره]
[مذهب الحنفية]
جاء فى كشف الأسرار على أصول البزدوى ان الاكراه ثلاثة أنواع:
نوع يعدم الرضاء: ويفسد الاختيار نحو التهديد بما يخاف به على نفسه أو عضو من أعضائه لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس تبعا لها.
ونوع يعدم الرضاء ولا يفسد الاختيار نحو الاكراه بالقيد أو الحبس مدة مديدة أو بالضرب الذى لا يخاف به التلف على نفسه وانما لم يفسد به الاختيار لعدم الاضطرار الى مباشرة ما اكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هدد به.
ونوع آخر: لا يعدم الرضا فلا يفسد به الاختيار ضرورة لأن الرضاء مستلزم الصحة الاختيار، وهو أن يقصد المكره بحبس ابى المكره أو ولده أن يغتم المكره بسبب حبس
(١) شرح طلعة الشمس للسالمى ج ٢ ص ٢٥٨ وما بعدها الى ص ٢٦٣ نفس الطبعة.